نبض الحياة.. (الجزء الرابع)

 

من وهج الحروف نرسم أجمل المعاني.. وفي شدة الحر تذوب الكلمات.. وعند الغروب تتهادى العبارات كنسمات زهرة ربيعية.. تنفست في الجزء الرابع من نبض الحياة..

1-من ذاكرة التاريخ:

ابنة هولاكو زعيمِ التتار كانت تطوف في بغداد فرأت جمعاً من الناس يلتفـون على رجل منهم،

فسألت عنه ...

فإذا هو عالم من علماء المسلمين، فأمرت بإحضاره، فلما مثل بين يديها سألته:

ألستم المؤمنين بالله ؟

قال : بلى.

قالت: ألا تزعمون أن الله يؤيد بنصره من يشاء؟

قال : بلى.

قالت: ألم ينصرنا الله عليكم؟ قال : بلى.

قالت: أفلا يعني ذلك أننا أحب إلى الله منكم ؟

قال: لا.

قالت: لم؟!

قال: ألا تعرفين راعي الغنم ؟

قالت : بلى.

قال: ألا يكون مع قطيعه بعض الكلاب؟

قالت: بلى.

قال: ما يفعل الراعي إذا شردت بعض أغنامه ، وخرجت عن سلطانه؟ قالت: يرسل عليها كلابه لتعيدها إلى سلطانه.

قال: كم تستمر في مطاردة الخراف؟ قالت: ما دامت شاردة.

قال: فأنتم -ولله المثل الأعلى- أيها التتار كلاب الله في أرضه وطالما بقينا شاردين عن منهاج الله وطاعته فستبقون ورائنا حتى نعود إليه..!!

2-صدقة الفقير والغني..

مَن لم يستطع أن يتصدَّق بالمال لفقره، فقد دلَّه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، على ألوان كثيرة من الصدقات: إماطة الأذى عن الطريق، وكثرة الخطى إلى المساجد، والكلمة الطيبة، وتبسمك في وجه أخيك، وإرشادك الرجل إلى الطريق السوي، ورحمتك للضعيف.. كل ذلك صدقات. مفتحة أبوابها على مصراعيها لكلِّ إنسان  .

3-التربية الإسلامية..

التربية في اللغة تنمية وتقويم، وفي القرآن الكريم والسنة النبوية تغيير باطني لنفس الإنسان. بيد أن نوعية التربية  تختلف باختلاف الغاية التي نرجوها للذي نربيه. فالتربية الإسلامية لن تكون إسلامية إلا إن تناولت الإنسان فأودعت قلبه إيمانا، وعقله حكمة، وجسمه صلابة، ونفسه تزكية وتطهيرا مما علق بها من درن الدنيا الفاني، وتصفية لرؤية الإنسان لنفسه ومصيره وللعالم؛ فبتلك التربية الإيمانية يكتسب المربى قوة تزوده في حركيته –غير حركية الجاهلية- التي لها غاية عظمى وهي نيل رضى الله تعالى في الدنيا والآخرة.

 ولهذا فإن التربية الإسلامية المنشودة هي تلك التربية التي تغير نفس الإنسان، وتشحذ ذمته، وترفع همته، وتبعث إرادته بتصفية رؤيته لنفسه ومصيره للعالم، وتحرر عقله من شوائب الفتنة والجاهلية وذلك ببث روح الإيمان بالغيب فيه. وبهذه التربية المتكاملة التي تجند طاقة الإنسان يصبح الإنسان –المربى- له فاعلية في التاريخ يؤثر فيما حوله.

4-نحو إعادة كتابة تاريخ المسلمين..

إن تاريخ الأمة المسلمة زاخر بالجواهر والنوادر والتحف التي تعد دررا غالية يرصع بها تاج هذه الأمة، وسجل حافل بالأحداث الكثيرة؛ فهو مخزون كبير من التجارب والخبرات الإيجابية والسلبية، ومع كل هذه المميزات فإننا لا ندعي الكمال لتاريخنا ؛ لأنه لم يسلم من عبث العابثين وانتحال المبطلين، وكذب المفترين، لكن الله تبارك وتعالى يهيئ لتمحيص الأخبار وغربلتها جهابذة من علماء هذا الدين، ما عليهم إلا أن يبذلوا قصارى جهدهم لاقتحام هذه العقبة لغربلة التاريخ بكل مراحله وإعادة تقويمها وصياغتها من وجهة نظر إسلامية وبمنظار المنهاج السنني المتحرر من الفكر التقليدي البليد؛ لنقدم للأمة المسلمة الدواء الناجع لما حل بها من الأدواء والمعضلات التي فتكت جسمها، وخربت كيانها.

5-لحظة الوصال..

ما أجمل الرحيق وما أصعب الحريق..

6-الحب مدرسة..

الحب مدرسة فيها نتعلم الوفاء.. ومنها نأخذ العبر..

7-بين الحقيقة والكذب..

بساطة الحقيقة أعظم من فخامة الأكاذيب..

8-العفو..

إن الحلاوة التي يجدها المرء في العفو لا يجدها في الثأر والانتقام.. ولذلك وصى الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بخصلة العفو: ((خذ العفو..))[الأعراف: 199].

9-الحقيقة الضائعة..

اسع إلى فهم الآخرين أولا، ثم اسع إلى أن يفهموك..

10-نحن وليس أنا..

فكر بالخير والمنفعة للجميع، ولا تكن أنانيا..

11-من كنوز الحكم..

لو علم الظالم ما أعده الله للمظلوم لضنَّ عليه بالظلم.. فإخوة يوسف عليه السلام أرادوا به شرا فألقوه في الجب، ولو علموا أنه سيرتفع شأنه بسبب إلقائهم له في الجب ما ألقوه أبدا؛ لأنهم لا يريدون له خيرا، وهذا شأن الظالمين!

12- المشاعر الرقيقة الشفافة..

العواطف شفافة مثل الزجاج، عندما تتشقق تنتهي كل محاولة لرتقها، لن تزيد الشقوق إلا اتساعا.. فلا تحاول كسر مشاعر أحد.. وحافظ على الزجاج من الانكسار..

13- سحر الرحمة..

ارحم فالرحمة بلسم وشفاء.. والرحمة من شيم خير الأنبياء..

14-الإخلاص في قول: لا إله إلا الله..

كان شيخ يعلم تلاميذه العقيدة، يعلمهم لا إله إلا الله ، يشرحها لهم، يربيهم عَلَيْها. 

 
وفي يوم من الأيام جاءه أحد تلاميذه بببغاء هدية له.. وكان الشيخ يحب تربية الطيور والقطط.     ومع الأيام أحب الشيخ الببغاء،  وكان يأخذه معه في دروسه حتى تعلم الببغاء نطق كلمة: لا إله إلا الله‼ 

فكان ينطقها ليل ونهار، وفي مرة وجد التلامذة شيخهم يبكي بشدة وينتحب..

وعندما سألوه .. قال لهم: قَتَل قط عنده الببغاء.

فقالوا له: ألهذا تبكي‼

إن شئت أحضرنا لك غيره وأفضل منه..

رد الشيخ وقال: لا أبكي لهذا… ولكن الذي أبكاني..عندما هاجم القط الببغاء أخذ يصرخ ويصرخ إلي أن مات مع أنه كان يكثر من قول: لا إله إلا الله..إلا أنه عندما هاجمه القط نسيها..ولم يقم إلا بالصراخ ‼ لأنه كان يقولها بلسانه فقط، ولم يعلمها قلبه ولم يشعر بها‼

    ثم قال الشيخ : أخاف أن نكون مثل هذا الببغاء.. نعيش حياتنا نردد "لا إله إلا الله" من ألسنتنا.. وعندما يحضرنا الموت.. ننساها ولا نتذكرها؛ لأن قلوبنا لم تعرفها.

فأخذ طلبة العلم يبكون خوفا.. من عدم الصدق في لا إله إلا آللـّه.

15-ناكر الجميل..

إنْكَار الجَمِيل هُو: أنْ يَكْسِر الأعْمَى عَصَاه بَعْد أنْ يُبْصِر!

فلا تنكر جميل من أحسن إليك.. وأحسن إلى من أساء إليك.. ((وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ))[فصلت: 34].

16-الابتلاء طريق النصر..

صاحب الحق لا يخسر، ولكن يبتلى ويؤذى ليستحق النصر، وخير أنموذج سيدنا النبي محمد صلى الله عليه وسلم: ((وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا ۚ وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ))[الأنعام: 34].

17-لا تتعلق بالقذارة..

لاحظ ديك يوماً ما أن حيواناً ضخماً يأكل من مخلفاته فيزداد طاقة ، فقال الديك لنفسه : "إنها فكرة جيدة" وبدأ يأكل من مخلفات ذلك الحيوان فشعر بطاقته تزداد يوماً بعد يوم.

واستطاع في اليوم الأول أن يرتقي على أول غصن في الشجرة الأضخم في الغابة، وفي كل يوم كان يرتقي على غصن جديد أعلى ، واستطاع بعد شهر أن يصل إلى قمة أعلى شجرة في الغابة وتربع عليها.

وعندما أصبح في القمة بات من السهل رؤيته من قبل الصيادين ، وما أن رآه أحدهم حتى صوب بندقيته نحوه ولأنه لا يستطيع الطيران فقد كان هدفاً سهلاً للصياد الذي أطلق عليه النار فأرداه قتيلاً.

الحكمة: إن الأشياء القذرة قد توصلك لأعلى المراتب... ولكن لا يمكن أن تبقى هناك طويلا. 

18-وفضل الله أكبر وأعظم..

جلس رجلان قد ذهب بصرهما على طريق أم جعفر زبيدة العباسية لمعرفتهما بكرمها.

فكان أحدهما يقول : اللهم ارزقني من فضلك.

وكان الآخر يقول : اللهم ارزقني من فضل أم جعفر.

وكانت أم جعفر تعلم ذلك منهما وتسمع،

فكانت ترسل لمن طلب فضل الله درهمين،

ولمن طلب فضلها دجاجة مشوية في جوفها عشرة دنانير.

وكان صاحب الدجاجة يبيع دجاجته لصاحب الدرهمين، بدرهمين كل يوم،

وهو لا يعلم ما في جوفها من دنانير.

وأقام على ذلك عشرة أيام متوالية،

ثم أقبلت أم جعفر عليهما،

وقالت لطالب فضلها: أما أغناك فضلنا ؟

قال: وما هو؟

قالت: مائة دينار في عشرة أيام.

قال: لا، بل الدجاجة كنت أبيعها لصاحبي بدرهمين.

فقالت: هذا طلب من فضلنا فحرمه الله،

وذاك طلب من فضل الله فأعطاه الله وأغناه.

19-عواطف الناس شحيحة ورحمة الله واسعة..

لا تنتظر أن تتفجر لك من عواطف الناس أنهارا.. كن مع الله ينزل على أرض قلبك من عطفه ورحمته مدرارا..

20-الحكمة..

الحكمة حواليك في كل مكان.. في براءة الطفل.. في رقة النسيم.. في دفء الشمس.. في نور القمر.. في أريج الورود.. في زقزقة العصافير.. في خرير المياه.. في دموع السماء.. فكن تلميذا في مدرسة الحياة..

21- عش لحظتك..

عش كل يوم وكأنه آخر يوم في حياتك..

22- الأبواب المفتوحة..

تأكد أن الله تعالى عندما يغلق بابا أمامك فإنه يفتح لك أبوابا أفضل وأروع وأوسع منه.. وأن الباب الذي تعتقد أنه سد في وجهك لم يعد يخدمك.. بل كان السبب في آلامك ومتاعبك ومحنك.. {فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء: 19].

23- زمن بغير موازين..!!

من الصعب إرضاء كل الناس.. فالخير الذي تفعله اليوم سوف ينسى غدا.. !!

إذا أعطيت الناس أفضل ما لديك.. سيرد عليك بعضهم بأسوأ ما لديهم.. !!

إذا امتلأ وعاءك وأردت أن لا تدع أوعية الآخرين فارغة وتشركهم من وعائك قالوا: هلا ملأ أوعيتنا..!!

...

افعل الخير على كل حال..

أشرك الآخرين في وعائك مهما كانت الظروف والأحوال..

فرضا الله تعالى خير من الدنيا وما فيها ((والله خير وأبقى)).

24-اختبار الرجال..

 بتقلب الأحوال تختبر أحوال الرجال..

25-العملة الزائفة..

المتدين الحق هو الإنسان المتحلي بالأخلاق الحميدة والقيم النبيلة والسجايا الكريمة.. فلا تجد في عبادته تصنعا ولا في معاملته خداعا، ولا في قلبه حقدا أو نفاقا، ولا في أخلاقه تكلفا..

التصنع يبعد الإنسان عن الله تعالى، والخداع يُبعده عن الخالق والخَلق. أما الحقد والكره والنفاق فسبب لذكره باللعنات..

26-الفضيلة .. والغرور..

الفضيلة هي الحالة الروحية التي لا تهتم بجلب احترام الآخرين مع أنها عملت عملا يستحق الاحترام..

أما الغرور فهي الحالة النفسية التي تتوقع احترام الآخرين ومديحهم لعمل لا يستحق الاحترام..

27- إحساس..

ما أجمل إحساس الحب..

29-طريفة..

يقول الله تبارك وتعالى في بداية سورة النحل: ((أتَى أمرُ الله فلا تستعجلوه)) .. ((أتَى..)) فعل ماضٍ ثم يقول: ((لا تستعجلوه)) .. كما لو كان الفعل في المستقبل .. ولا غرابة في ذلك فهو ماضٍ عنده -سبحانه وتعالى- ومستقبل عندنا . ألا يتكلم الله تعالى عن جميع المستقبل على أنه ماضٍ .. !! وعن أحداث الآخرة بأنها ماضٍ .. !! (( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ )) ((وانشقت السماء فهي يومئذٍ واهية))((﴿كَلاَّ إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا * وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا)) وكل هذه من أحداث يوم القيامة، يتكلم عنها الله تبارك وتعالى بصيغة الماضي ..

30- النور الخالد..

سطع على الوجود نور وتنزّل.. فكبر له الكون إجلالا وهلل.. نور الهادي البشير المبجل.. في الثاني عشر من شهر ربيع الأول..صلى الله عليه وسلم..

31- الماء لا يتغير بالمظاهر..

الماء هو الماء سواء أوضعته في إناء من ذهب أم في إناء من فضة أم في إناء من فخار أم في إناء من زجاج.. فالماء يبقى الماء..

32- عكس المعنى..

لولا وجود عكس المعنى لما كان للمعنى معنى..

ولولا وجود الآلام لما تعلمنا معنى الراحة ولما تقدمنا ولما أدكرنا معنى السعادة..

33- الأمل..

هناك أوقات نشعر فيها أنها النهاية ثم نكتشف أنها البداية..

وهناك أبواب نشعر أنها مغلقة ثم نكتشف أنها المدخل الحقيقي..

34- آخر لحظة في عمرك..

تذكر أن تعيش كل لحظة كأنها آخر لحظة في عمرك.. عش بحبك لله تعالى، والتلبس بأخلاق المصطفى صلى الله عليه وسلم، وبالرفق والرحمة بخلق الله جل وعلا..

35- فلسفة تعدد الزوجات..

لم يجعل الشرع الحنيف من تعدد الزوجات إرضاء الرغبات الشهوانية للرجل وإشباع نزواته، على حساب ضرر المرأة، وتنغيص حياتها بتحريك غيرتها لغير ضرورة وهو ما يعد ضررا في حقها، وهذا ما ينبغي لكل متكلم بلسان الشرع أن يدرك أبعاد المشرع كيلا يتقول على الله تعالى، لكون التقول على الله من أعظم الذنوب إطلاقا.

ولذلك فإن استغل بعض الذكور هذه التوسعة الشرعية ليُشبِعوا أنفسهم لذة ويشبعوا النساء ظُلما فالحَيف منهم لا من الشريعة. التعدد حل لما يمكن أن يلقاه الرجل، أو يعانيه المجتمع من مشكلات: الرجل تقْوَى فيه الحاجة فلا تكفيه امرأة واحدة، أو تمْرَض وهو صحيح، أو تعقُم وهو يطلب الولد. والمجتمع يربو فيه عدد النساء على عدد الرجال، فتجيء شريعة التعدد لتصون حِصّةً منهن عن العنوسة والشارع. تكون شريعة التعدد هي الحل الوحيد إن حصدت الحربُ الرجال كما حدث في الحربين العالميتين في قرن العجائِب والعنف.

فالتعدد حصانة للرجل والمرأة والمجتمع. وبديله الرذيلة في المجتمعات الانحلالية حيث تنطلق الشهوات ما لها من رادع، تُخادِن هي ويعاشر هو ما شاءت الحرية الدوابية من أخلاءَ وخليلات. إن الاختيار هو اختيار بين أقصى ما يمكن من عدل وإنصاف للمرأة وأحطِّ ما يمكن أن تنزل إليه المرأة. إنه اختيار بين الغريزة تَحْكُمُ وبين الفطرة مهَّدَ لها الفاطر سبحانه سبيلا إلى سعادتها الدنيوية والأخروية.

فالأصل واحدة.. والتعدد استثناء لحالات استثنائية..

36- كل شيء بإرادة الله..

رأى إبراهيم بن أدهم رجلاً مهموماً فقال له: أيها الرجل، إني أسألك عن ثلاث.. أتجيبني؟

قال الرجل: نعم.

قال إبراهيم بن أدهم: أيجري في هذا الكون شيء لا يريده الله؟

قال الرجل: لا.

قال إبراهيم: أفينتقص من رزقك شيء قدّره الله لك؟

قال الرجل: لا.

قال إبراهيم: أفينتقص من أجلك لحظة كتبها الله لك في الدنيا؟

قال الرجل: لا.

فقال إبراهيم للرجل: فعلام الهمّ إذن وكل شيء بيد الله تعالى!

37- من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه..

ذكر ابنُ رجب وغيرُه أنَّ رجلاً من العُبَّادِ كان في مكة وانقطعتْ نفقتُه ، وجاع جوعاً شديداً ، وأشرف على الهلاكِ ، وبينما هو يدورُ في أحدِ أزقَّةِ مكة إذ عثر على عِقْدِ ثمينٍ غالٍ نفيسٍ ، فأخذه في كمِّه وذهب إلى الحَرَمِ وإذا برجلٍ ينشدُ عن هذا العقد ، قال : فوصفه لي ، فما أخطأ من صفتِه شيئاً ، فدفعتُ له العِقْد على أن يعطيني شيئاً . قال : فأخذ العقد وذهب ، لا يلوي على شيء ، وما سلَّمني درهماً ولا نقيراً ولا قطميراً . قلتُ : اللهمّ إني تركتُ هذا لك ، فعوِّضني خيراًمنه ، ثم ركب جهة البحرِ فذهب بقاربٍ ، فهبَّتْ ريحٌ هوجاءُ ، وتصدَّع هذا القاربُ ، وركب هذا الرجل على خشبةٍ ، وأصبح على سطحِ الماءِ تلعبُ به الريح يمْنَةً ويَسْرَةً ، حتى ألقتْه إلى جزيرةِ ، ونَزلَ بها ، ووجد بها مسجداً وقوماً يصلُّون فصلَّى ، ثم وجد أوراقاً من المصحفِ فأخذ يقرأ ، قال أهل تلك الجزيرةِ : أئنك تقرأ القرآن ؟ قلتُ : نعمْ . قالوا : علِّمْ أبناءنا القرآن . فأخذتُ أعلِّمهم بأجرةٍ ، ثم كتبتُ خطاً ، قالوا : أتعلِّم أبناءنا الخطَّ ؟ قلتُ : نغم . فعلَّمتُهم بأجرةٍ .ثم قالوا : إن هنا بنتاً يتيمةً كانت لرجلٍ منا فيه خيْرٌ وتُوفِّي عنها، هل لك أن تتزوجها؟ قلتُ: لا بأس. قال: فتزوجتُها ، ودخلتُ بها فوجدتُ العقْد ذلك بعينهِ بعنقِها . قلتُ: ما قصةُ هذا العقدِ ؟ فأخبرتِ الخَبَرَ ، وذكرتْ أن أباها أضاعه في مكة ذات يوم، فوجده رجلٌ فسلّمه إليه ، فكانَ أبوها يدعو في سجودِه ، أن يرزق ابنته زوجاً كذلك الرجل . قال : فأنا الرجلُ .

فدخل عليه العِقْدُ بالحلالِ ، لأنه ترك شيئاً للهِ ، فعوَّضه الله خيراً منه ( إنَّ الله طيبٌ لا يقبلُ إلاَّ طيِّباً ).

38- قالوا في التعصب الأعمى..

قال شيخ الدعاة محمد الغزالي -رحمه الله-: لقيت متعصبين كثيرين، ودرست عن كثب أحوالهم النفسية والفكرية، فوجدت آفتين تفتكان بهم: الأولى: العجز العلمي، أو قلة المعرفة! هؤلاء يحفظون نصا وينسون آخر، أو يفهمون دلالة للكلام هنا ويجهلون أخرى، وهم يحسبون ما أدركوه الدين كله. ولو أن هؤلاء اكتفوا بمنزلة المتعلم التابع ما عابهم ذلك كثيرا، فليس كل مسلم مطالبا بمعرفة جميع الأقوال الواردة والدلالات المحتملة. المصيبة أن يشتغلوا مفتين أو موجهين وهم بهذا المستوى الهابط!.. والآفة الثانية في التعصب المذهبي: سوء النية، ووجود أمراض نفسية دفينة وراء السلوك الإنساني المعوج، ويغلب أن تكون آفات الظهور والاستعلاء أو رذائل القسوة والتسلط. كنت في مجلس قرآن ختم القارئ فيه التلاوة بقوله صدق الله العظيم. فإذا جالس ينتفض كأنما لسعته عقرب يقول: هذه بدعة... قلت له: لا أبحث معك أنها بدعة أو سنَّة، وإنما أسألك: ما هذا الفزع؟ لكأنما سقط على رأسك حجر، الأمر ما يعالج بهذه العاصفة. إجلس...

هذا الصنف من الناس لم يهذب نفسه بالأخلاق التي بعث صاحب الرسالة ليتمم مكارمها. إن صور العبادة عنده غطاء لقلب غليظ، وغرائز فجة. وهو يجد متعة في قضايا الخلاف ليثور ويفور، وظاهر أمره الغضب للدين، وهو في الحقيقة ينفس عن طبيعة معتلة، وتربية ناقصة أو مفقودة

39- وصية السلف..

كان السلف الصالح من هذه الأمة يتواصون بثلاث وصايا لو وزنت بالذهب لرجحت به:

الأولى: من أصلح ما بينه وبين الله، أصلح الله ما بينه وبين الناس.

الثانية: من أصلح سريرته، أصلح الله علانيته.

الثالثة: من اهتم بأمر آخرته، كفاه الله أمر دنياه وآخرته.

40- طهارة القلب..

قال الإمام أبو يزيد البسطامي -رحمه الله-: مررت بدير فيه راهبة، فقلت لها: هل هنا مكان طاهر أصلي فيه؟

فقالت: طهر قلبط وصل حيث شئت...

انتهى الجزء الرابع ويليه الجزء الخامس في صفحة جديدة إن شاء الله تعالى.



المنشورات ذات الصلة
نبض الحياة: الجزء 16
نبض الحياة الجزء 17
نبض الحياة..(الجزء الأول)
نبض الحياة.. (الجزء الثاني)
نبض الحياة.. (الجزء 3)
نبض الحياة.. (الجزء الرابع)