نبض الحياة.. (الجزء 3)

 

 

تحت زخات من عذوبة الغيث الهاطل من السماء.. وفي جو بارد كأنه اللحن الرقيق.. ينبض القلب بأجمل النبضات في الجزء الثالث من "نبض الحياة"...

1-إشراقة روح..

عندما تهرب من صخب المدينة إلى ضفاف منظر ساحر خلاب حيث خرير المياه، وزقازيق العصافير، ورقص الفراشات باختلاف ألوانها وأشكالها.. وانتشاء الورود في حلي كبريائها.. وتبرج الزهور بكل زينتها محيطة بك من كل جانب في جو رومانسي بديع، أشرقت فيه الشمس ورمت بخيوطها الذهبية في ضفاف المكان... وشلالات المياه المتدفقة زادت المكان جمالا وسحرا.. وصفاء السماء ونقائها سمى بك إلى ملكوت الجمال.. وجعلك تقول بلسان الحامد الشاكر: سبحان الله الذي سخر لنا ما في السموات والأرض.. سبحان الله خالق كل شيء.. سبحان الله الجميل خالق الجمال..

وقبل أن تصفر الشمس في لحظة الوداع حيث الغروب.. يبدأ الليل في نشر أجنحته على المكان..

هل انتهى المشهد أم بدأ مشهد آخر ينقلك من الكتاب المنظور إلى الكتاب المسطور.. في جنح الظلام والناس نيام وباب الله ليس عليها زحام..

هناك تبعث الروح من جديد مع أرواح العشاق والمحبين.. وتجول مع أجمل العزفات المترنمة والنغمات الهادئة والسيمفونيات الرائعة، تغدو وتروح، تعانق فراشة، تشم عبق وردة، تحيي البلبل في عليائه..تتلو قوله تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:46].

ما أجمل الهدوء والسكون عندما تزاح ظلمة الصخب وتنشرح الروح لهمسات الطبيعة، وفي جولة ماتعة بين رياضها المسبسبة بأسرار الكون، لتسبح الله وتحمده على ما أبدعته قدرته العظيمة..

2-جمال..سكون.. عاطفة..

أنعم الله على المرأة بأن حباها بأجمل ما في الكون: جمال الخِلقة وجمال سَكَن النفس والعاطفة المتدفقة..

لهذا قال معاوية –رضي الله عنه-: «إنهنّ يغلبن الكرام ويغلبهنّ اللئام»: إنّ اللئام يغلبونهنّ لِما في طبعهم من جفاف وجفاء ولجاج، وما يفتقدونه من رقة مشاعر ولطف إحساس ووداد ورحمة وحب، ولِما يغلب عليهم من طباع حيوانية. فالحبّ والعطف والرحمة والصفات الإنسانية الحميدة تدفع الإنسان إلى تكريم المرأة، بينما الصفات الحيوانية تشجّع على الاستهانة بها!

3-مرايا القلوب..

العين البصيرة ترى كل شيء في الكون جميلا .. تأخذ عبرة.. تنشر فكرة.. تضع كل واحد في مكانه.. تنصف مظلوما وترد ظلم ظالم.. إنه صفاء القلب ونقاءه يلون ما حوله بلونه..

أما العين التي عليها غشاوة فترى كل شيء أسودا.. تتشاءم من كل شيء في الحياة.. تنظر إلى الآخرين بعين النقص.. وتنظر إلى نفسها بعين الغرور.. إنه الران.. ومن ران على قلبه فلا يرى إلا الظلمة والبوم والحنش فضلا عن الشبح المخيف، ويجول في فلك الليل ولا يرى إلا سارقا فارا، أو سكرانا يهدج في سيره يتسكع في الشوارع والأزقة، وقد غاب العقل ونام نومته..

4-الزهر الجميل..

ظهر في الصباح الباكر فأفعم الهواء حوله بشذاه.. ونشر عطره في كل مكان.. فلما لامسته أشعة الشمس ازداد حسنا وجمالا.. ثم لم يلبث أن غادر المكان..

5-أيها الزهر..

أيها الزهر العطر انثر رحيقك في قلوب العشاق..

واجعل شذاك لهم كلمسات العناق..

لعل عبق عطرك يخفف الأشواق في ساعة الاحتراق..

6-القمر..

سرى القمر في أفلاك السماء بوجهه الأزهر مزدهيا في محاسنه وجماله ونوره.. حتى استوى في كبد السماء في ليلة التمام ساطعا ناشرا نوره في الأرجاء كلها.. كأنه النهار مطويا بعضه على بعض.. نوره يقطف من قلوب المحبين أشواقا وعناقا.. تساقطت منه تنهدات خافتة حركت القلوب والمشاعر والأشجان.. ساطع بين النجوم وسط سكون وهدوء تام.. في أجمل صورة.. رسمت على محياه أجمل ابتسامة لثغر عاشق ولهان.. تفيأ بنوره على المحبين فغمر أرضهم وسماءهم بروح الخلد.. وكأن العالم حولهم تحول إلى أجمل صورة..

صاح العشاق: ما أجملك يا قمر جذبا وهوًى ودلالا وسحرًا وجمالا ونورا..! لقد مزقت قلوبنا.. وأحرقت أكبادنا.. وفجرت الأشواق بداخلنا.. !

آه يا قمر! رفقا بالقلوب كالقوارير.. رفقا بصدور فيها شهيق وزفير..!

7-الطاغية..

يقطع الأشجار ليجني الثمار..

8-ماضيك في الدنيا مستقبلك في الآخرة..

إن حاضر الإنسان الذي يتحول غدا إلى ماضيه في الدنيا، هو نفسه الذي يكون مستقبله في الآخرة، دون زيادة ولا نقصان، وإن الكيس العاقل من جعل ماضيه مستنيرا ليكون مستقبله مشرقا..

9-الأكف الممدودة..

الأيدي المرفوعة إلى السماء.. تنهمر عليها الرحمات.. وتنصبّ عليها ألطاف الفيوضات..

أما التي استغنت عن رب الأرض والسماء فستبقى فارغة قاحلة في ظلمات ثلاث..

10-مترع بالحزن..

أقبل البدر حزينا، شاحب اللون، دفين الدمع، يلفه الضباب، وقف لحظات في السماء يقلب نظره في كل الأرجاء، عساه يعثر على بسمات تجلو عنه الضباب والأحزان، وتفعمه بالروح والريحان، وتبعث فيه الضياء من جديد.. فيستنير به السائرون على درب الإحياء والتجديد ويهتدي به العابرون إلى حياة السعادة والخلد.. ويرسم للسالكين السائحين الهائمين الطريق.. ويكون لهم نعم المعين والرفيق..

11-النظارة السوداء..

أزل عنك نظارتك السوداء.. اضرب بها عُرض الحائط أو ألقها في البيداء.. لقد أرتك كل شيء أسودا.. وأورثتك هما وكمدا..

لقد آن الأوان أن تشعل في ظلامك القنديل.. فترى به ما جعلته نظارتك مستحيلا..  ترى كل شيء في العالم جميلا.. فتسبح ربك بكرة وأصيلا..

12-الزهرة والقلب العليل..

تتفتح زهرة على ضفاف نهر جميل.. حيث زقزقة البلابل تشكل سمفونية رائعة.. ترقص معها الزهرة وتميل.. يفوح منها عبق أصيل.. على خدودها يسيل.. يأسر الظليل ويشفي الغليل ويبرئ القلب العليل..

13-شذّ نجم..

شذ نجم وخرج عن مجموعته النجمية فاحترق وفي مكان سحيق اختفى..

فماذا إذا خرجت كل النجوم عن مجموعتها وحادت عن مكانها وابتعدت عن مسارها.. ثم تساقطت الواحدة تلوَ الأخرى وفق الناموس الكوني..!

ألا يشبه هذا حال الأمة.. وناموس الله في الكون ثابت لا يتغير!

14-الأم..

وضَّاءة النفس..

ملائكية الروح..

عاطفتها رقيقة كالنسيم..

رفافة حول ابنها كأجفان الورد الجميل..

مشاعرها كصفاء الجدول الرقراق..

 أحلامها وردية كالآفاق..

 زهرة بالحبور مفعمة وبالعطر انتشت..

رمز الرحمة والحنان..

ومعين الخير والعطاء للإنسان..

15-بلابل الروح..

الفطرة والبراءة..

الطهارة والنزاهة..

النقاء والصفاء..

هم الغد المأمول.. والمستقبل القادم.. والوصال الآتي..

الأمل في إشراقات وجوههم.. والتفاؤل في بسمات شفافهم..

إنهم أطفالنا بلابل أرواحنا..

16-زواج حماس أم زواج عقل وتأنّ..

يقرأ الفتى "الملتزم" والفتاة "الملتزمة" الحديث النبوي الشريف: «اظفر بذات الدين»، فيجمد كلّ منهما على ظاهر النص ويحسبان أن الناس جميعا من طينة واحدة، وكأن الفروق الاجتماعية والاقتصادية وكأن العقليات والتقاليد غبار ينفخ فيه فيتطاير.. فتلتقي هذه الفتاة  في الجامعة أو الثانوية أو... بذاك الفتى ، فتتخيله سيف الله المسلول خالد بن الوليد ويتخيل فيها الصحابية المجاهدة نسيبة المازنية؛ فيتزوجان على سنة الله ورسوله، لكن في غفلة من العقل والقلب وعن جهل تام بحقيقة المعاشرة بين أسر متنافرة ومتفاوتة، ثم لا تمر سوى أيام قليلة فيذهب كل شيء أدراج الرياح، تمحى كل التخيلات والتصورات، ويتحول البيت إلى ساحة المعارك والتدافع والأنانية الفردية والاستعلاء ...!

17-لغة العيون..

للعيون بيان أفصح من بيان اللسان.. تقرأ فيها البهجة والسرور والأشجان.. وتفصح لك عن المكنون في الوجدان.. فهي للقلب ترجمان.. تداعب بلغتها الأكوان.. وتعانق الأنهار والجبال والأشجار وزهر الأقحوان..

18-النفس والسلام..

متى تتوارى عن سوءات حروب الشهوات والنزوات والأنانيات.. وتحقن دماء الإسراف في المعاصي والذنوب.. أعجزت أن تقيم في أرض نفسك السلام.. وتبني فيها صروح الأمان.. فيملأها نور الإسلام والإيمان.. وضياء أخلاق القرآن..

عودي يا نفس للسلام عودي..!  وكوني كالحمام رمزا للسلام كوني!

19- بين الإسلام والجهل.. والنور والظلام..

تكلم القوم فأطنبوا.. وملئوا الدنيا صياحا فما أفادوا.. ثم خرسوا فلا تكاد تسمع لهم همسا.. وحنوا رقابهم ولا يستطيعون أن يرفعوا رأسا..

قم يا صاح تكلم فالدور دورك والأيام أيامك.. فالأرواح إليك ترنو.. والفطرة إليك تهفو.. والأعناق إليك تشرئب.. وإليك المرجع والمنقلب..

تكلم وأضئ الأرجاء.. لتقتبس من ضيائك نجوم السماء..

تكلم لتنير العالم.. وتزيح عنه ركام الظلام..

20-قري عينا..

عانت الأمة من قساوة الشتاء.. وتجرعت على مر الأيام مرارة الأعداء.. لونها اصفر.. وجسمها ذبل.. وعظمها وهن.. وحماها انتُهكت.. وعن نصرتها أبناءها تخاذلت.. أنينها يعلو.. وصراخها يشجو.. ودموعها تنهل.. وألمها يشتد..

انتظري ولا تيأسي.. وعلى منهاجي نبيك لا تتنكبي..

فشهر ربيع على الأبواب بالعطر خفاق.. وبالنور في الآفاق دفاق.. وإليكِ مشتاق.. وشمسه آذنت بالإشراق..

ألمك يُزيل.. وأيامك يُزهر.. ولونك يخضر.. وجسمك يحيي.. وعظمك يقوى..

فيتدفق نبعك عيونا وأنهارا يروي العاطشين من الظمأ.. وينبت الزهر والعشب والكلأ.. ويكسي الأرض رداء أخضرا وسندسا واستبرقا..

إليك ستسرع أقدام الناس.. وعلى أبوابك ستتزاحم المواكب والأنفاس..

إليك يعبرون.. وعنك لا يستغنون.. فأنت للإنسانية سفينة نوح.. وحياة الجسد والروح..

 فاطمئني نفسا.. وقري عينا.. وكوني كما أنت شجرة خضراء شامخة.. أصولها في أعماق الأرض ثابتة.. ظلالها وارفة.. وأغصانها يانعة.. لا العواصف تهزك، ولا الحشرات تؤثر فيك.. ولا وحدتك في صحراء الحياة تثبطك..

فأنت لست في الطريق وحيدة بلا عون ولا سند.. الكون كله معك.. والملأ الأعلى يدعو لك.. وعين الله ترعاك ولا تنساك فنعم المعتمد..

21-السلم..

غَيَّر النبي صلى الله عليه وسلم مجتمعا في عقدين ونيف بالسلم، في الوقت الذي لم يحقق ذلك من سلك نهج العنف إلا في قرون.. ودعوات الأنبياء والمرسلين تمشي على نسق واحد في تغيير المجتمع سلميا بتغيير ما بالأنفس، والناموس هو الناموس ثابت لا يتغير ثبات الفلك الدّوار ((إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)).

22-موعد مع الموت..

الموت آت لا محالة.. الموت بيت كل الخليقة تدخله.. الموت كأس كل الناس شاربه..

23-الفرد الكامل والأمة الكاملة..

ذُكر في القرآن الكريم مثالين للروح الكاملة للفرد والجماعة أو الأمة، لو تمثلت بهما الأمة في عصرنا هذا لكانت أنموذجا تطبيقيا للعصر الأول عصر التنزيل والخلافة الراشدة، ولهابتها كل الأمم :

المثال الروحي للفرد الكامل في قوله الله جل وعلا: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} [الأحزاب: 21].

المثال الروحي للأمة الكاملة في قول الله جلت عظمته وتقدست كلماته: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29].

24-الحسد جمرة وداء..

الحسد من أعظم آفات الدنيا، يتولد من الطمع والأنانية الفردانية..

الحاسد لا يرتاح له بال ولا يهنئه طعام ولا يسوغ له شراب، عيشه ناكد، وقلبه مغموم، وصدره ضيق كأنه بركان على وشك الانفجار...

إن الحسد سرطان ينتشر في  قلب صاحبه.. وداء عضال يفتك بجسده.. وجمرة تلذعه حتى تذيبه..

فإياك والحسد..!

25-التعصب..

التعصب لا يعرف التسامح ولا العقلانية ولا النقد الذاتي.. والمتعصبون الراكدون في مستنقعات أفكار انتهت صلاحيتها غافلون عن الصيرورة التاريخية للعالم، ففي نظرهم كل شي قد انتهى.. لا يريدون لخردة أفكارهم أن تتغير، عاكفون على أصنام آبائهم وهم على آثارهم يهرعون.. بينما القرآن الكريم يقول غير ذلك، (يزيد في الخلق ما يشاء)، والعلم لا حد له (وفوق كل ذي علم عليم)، (ويخلق ما لا تعلمون).

26-الطمع:

الطمع كل حروفه فارغة، الطمع يهلك صاحبه وتفر منه الخليقة..

الطّماع شخص ممقوت يخذله الله ويترك الدنيا وقد خلف وراءه أعماله الدنيئة ووزره الثقيل ولم يأخذ من دنياه إلا قطعة قماش.. وليس الله بغافل عما تعملون..

اللهم زدنا قناعة يا رب العالمين.

27-باب ما قيل في ذي الوجهين:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «تجد من شر الناس يوم القيامة عند الله ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه»[صحيح البخاري].

ذو الوجهين: هو الشخص الذي يتظاهر باللطافة والطيبوبة  ثم إذا انصرف عنك أخذ يخوض في عرضك ويرجمك ويقول فيك من الكلام ما لا تستطيع حمله الجبال..

وهو الشخص الذي يزعم أنه صديق حميم ومن خلفك عدو لدود..

وهو الشخص الذي يخوض في هذا وذاك وينتقص من قدر هذا وذاك وينقل كلام هذا وذاك لتكون له المكانة والريادة...

ذو الوجين هو الأناني الشهواني الطّماع الممقوت عند الله وعند الناس..

ذو الوجهين مهما طال الزمان ومرت الأيام ستنكشف سوءته وتظهر حقيقته ويتفرق عنه الأصدقاء والخلان، جزاء عمله عمل الشيطان..

فاحرص أشد الحرص أن لا تدخل باب ذي الوجهين.

28-الحمامة وغصن الزيتون..

أقبلت حمامة السلام ذات طوق جميل كأنه عِقد نَفِيس في جِيدِ حورية سماوية.. تتعثر في خطاها تمشي في دلال كأنها تداعب الخيال.. تتدلى برأسها تبحث هنا وهناك عن غصن الزيتون بين أشواك الغرقد وأحراشه.. تتعجب! تستنكر بحركاتها وكأنها تقول: لم تكن أرض الزيتون يوما للغرقد موطنا..!

وبعد عناء طويل لاح لها من وسط تلك الأكوام والركام غصن يابس تغير لونه وذبل جسمه؛ بسبب النسيان وخذلان الخلان ونفايات الأفعوان.. ذهلت.. تنهدت.. وكأنها عثرت على كنز للجواهر واللآلئ والألماس.. أخذته وطارت به في السماء حتى لا يسرقه اللصوص أو يعبث به القردة والثعالب...

حلقت بجسدها الخفيف عاليا بغصن الزيتون.. تغدو وتروح في الفضاء الواسع.. وكأنها تبحث عن مكان آمن لكنزها.. فترنو ببصرها من بعيد قبة بيت المقدس المسجد الأقصى المبارك.. ذات جلال وجمال.. وهيبة ووقار.. وجهها مستدير يشع براءة ويتقطر حسنا وبهاء.. قطرات الندى تملأ مياسمه.. ورذاذ الغيث يحوم حول حماها.. نَفَسها كأريج الطيب.. كأنها عروس زُينت لعريسها.. تستهوي الغريب والحبيب..

أخذ هذا الحسن والكمال بتلابيب قلبها، وأضفى عليها المكان بقدسيته طمأنينة وسكينة وهدوءا واستقرارا.. نظرت في المسجد الأقصى المبارك وما بورك حوله تذكرت ذكريات منقوشة في كل مكان..  ومغروسة في التربة وعلى الحيطان..

هنا تمثل جبريل –عليه السلام- لمريم بشرا سويا..

وهنا تساقطت عليها من النخلة رطبا جنيا..

هنا أنطقت القدرة الإلهية المسيح عيسى ابن مريم وألقى على مولده السلام..

هنا محراب مريم الذي كانت تأتيها فيه الملائكة بفاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف بقدرة رب الأنام..

إلى هنا أسري بحبيبنا محمد خير الأنام عليه أزكى الصلاة وأفضل السلام..

هنا صلى بالأنبياء جميعا إماما وأُعرج به إلى السماء فسدرة المنتهى فرب السماء في علاه.. هنا حائط البراق.. هنا أرض الإسلام والسلام..

وبعدها نزلت الحمامة بغصن الزيتون إلى فناء المسجد الأقصى المبارك.. حفرت بأظفارها في تربته الطيبة.. وغرست غصن الزيتون في فنائه.. ثم سقته بدموعها.. لم تكن وحدها الساقي.. رذاذ السماء يشاركها.. ! زقزقات البلابل حاديها.. أشعة الشمس الذهبية أملها! ...

وتمضي الأيام والسنون فيخضر الغصن ويزهر ويشتد عوده وتستوي قامته ويكتمل.. شجرة زيتونة مباركة أصلها في القدس وثمارها وفروعها في بلاد الله كلها.. يتفيأ ظلها الناس وتقيهم الحر والبأس..

ستعودي لنا يا قدس.. مهما قصوا جناح الحمام وجفوا غصن الزيتون.. فذكرياتك لا تنسى.. ونقوشك لا تمحى..

29-الملا الكردي والثعبان والفأرة..

عند الأكراد يسمى شيخ الكتاتيب القديم الملا وكان يقرأ نصا بالعربية في كتاب من كتب الفقه: "إذا وقعت الفأرة في السمن فخرجت (حية) يبقى السمن حلالا". والملا عندما مر على كلمة "حية" تبادر إلى ذهنه أنها الثعبان فقام بترجمتها على ذلك. ولكن أحد تلاميذه كان نبيها فطنا، ويتساءل ما هذا التحول السحري الأسطوري غير المعقول، فقام يسأل الملا: أيها الملا كيف خرجت ثعبانا ولم تكن سوى فأرا؟ صرخ به الملا: اسكت أيها الفاسق إنها قدرة الخالق!

ومربط الفرس هنا أن بعض الناس لا يراجع فهمه للنصوص ولو أدخل الكون في تناقض والطبيعة في اختلال، فإن فهمه القديم يبقى هو هو، ويتهم الآخرين في لحظات الاختلاف في الرأي بالهرطقة ومخالفة النهج الصحيح!.. ينطح أي كان أمامه من غير جنسه كما ينطح الثور الإسباني خرقة المصارع وهو يظن أنه يحسن صنعا.

30-كيف تُصْنَع الفضائل..

ليس بالعنف ولا القوة ولا المدافع تُصنَع الفضائل.. لن تُصلِح هذا العالَم بإنكاره وتكفيره وإلقائه في نار الجحيم.. !

هذا يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله، فكيف يكون كافرا ؟

وأنتَ تعبد نفسك ونهجك وأنانيتك وشهوتك وتتأله على الناس، وكل من خالفك سلطت عليه جم غضبك وأمطرته بوابل من عبارات التكفير وألقيت به في نار الجحيم، كأنك خازن النار..!

وتناسيت قول الله تبارك وتعالى:

{وقُل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر} ( الكهف - 29 ).

وقوله جل وعلا: {لا يضرُكُم مَنْ ضَلَّ إذا اهتديتم} (المائدة - 105).

ثم أفرد الله نفسه بالعلم و البَت في قضية التكفير ، فقال:

{هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى} (النجم - 30).

وقال:{فلا تُزَكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى} (النجم: 32).

ولكنك تناسيت كل هذه الآيات وغيرها وتدعي العصمة لنفسك وتعتبرها أزكى النفوس وأتقاها.. وغيرك على غير النهج الصحيح وفي ظلام الكفر والشرك ومن أهل النار...!

31-أبواب السعادة..

أبواب سعادتك لا تفتح إلا من داخلك، فافتحها ولا تشدد عليها الأقفال، ولا تبحث عنها خارج أبواب قلبك ووجدانك..

32-المرأة والمجتمع..المرأة نصف المجتمع من حيث العدد، وهي المجتمع من حيث التأثير، فهي تؤثر على زوجها، وعلى أبنائها...

33-التكامل..قال الله جل وعلا: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} [آل عمران:195]،الرجل والمرأة كل منهما يكمِّل صاحبه، ولا يمكن لأحدهما أن يستغني عن الآخر (بعضكم من بعض)، فالعلاقة بينهما علاقة تعاون وتفاهم وتكامل، وليست علاقة صراع وتنازع وتناحر وشقاق..

34-تجديد الدين..

تجديد الدين لا يعني إخراج طبعة جديدة مزيدة ومنقحة، بل يعني الرجوع به إلى ذلك النبع المتدفق والمعين الصافي حيث كان في عهد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام -رضي الله عنهم- ومن تبعهم بإحسان-رحمهم الله-.  وهذا الرجوع ليس شبحا مخيفا ولا بعبعا مرعبا، كما يتوهم بعض الناس، إنه في الحقيقة الرجوع إلى التيسير لا إلى التعسير، إلى التبشير لا إلى التنفير، إلى الوسطية والاعتدال لا إلى التطرف والتنطع والغلو، إلى الرحمة  لا إلى الإرهاق، إلى المحبة لا إلى الكراهية، إلى  الاهتمام باللباب لا الوقوف عند القشور، إلى الاحترام والآداب والأخلاق لا إلى الجرأة وانتهاك الحرم وسوء الأخلاق، إلى الالتزام لا إلى الانحراف... إن الذي يقرأ فقه الصحابة والتابعين -رضي الله عنهم- يجد أنهم أفقه الناس لروح الإسلام ومقاصده ولم يكونوا حرفيين ولا شكليين.

35- الطفولة ..

الطفال هم الوجه المستقبلي المشرق لهذه الأمة،، كلما أحسنا تنشئتهم كلما ضمنا الاستقرار والاستمرار..

36-أيتها المرأة المكرمة..!

 أنت شقيقة الرجل.. وأنت نصفه الآخر.. وأنت بانية الأجيال.. أنت مكرمة.. أختا.. أما.. زوجة.. عنصرا في المجتمع..

37-الوسطية..

الوسطية هي منهاج خير البرية.. وسمة آخر الأمة من الأمم الإنسانية.. لم تضل أمة كانت الوسطية طريقها وسمتها..

38- بدر التمام..

لما اكتمل طلع على الدنيا فملأها إشراقا وأحلاما.. مكث ساعات ينتظر عسى أحد يبث إليه نجواه.. فيلقي عليه ضياءه فتسري أشعته في روحه المعذبة.. 

39-التزكية والتربية السلوكية..

نريد تصوف التربية والأخلاق القرآنية والنبوية، التصوف الذي يغذي الإيمان، ويرقق الوجدان، ويحيي القلب، ويشحذ الإرادة، ويرفع الهمة، ويهذب النفس، ويقوم السلوك في ضوء القرآن والسنة وهدي من سبقنا بالإيمان من القرون الخيرية الأولى، وهو الذي يقوم بمهمة التزكية التي أشار إليها كتاب رب العالمين، ومقام الإحسان الذي أشار إليه خير خلق الله أجمعين.

40-دعاء..

اللهم حَقِّقْنا بالرأي الصحيح وخَلِّقنا بكل خُلُق مليح، واكتبنا في دفتر عبادك المرضيين مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا يا رب العالمين، وصَلِّ في كل طرفة ولمحة على سيد أهل حضرات قربك حبيبك وسلطان أنبيائك سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

د.رشيد كهوس

انتهى الجزء الثالث من سلسلة "نبض الحياة" ويليه الجزء الرابع في صفحة جديدة إن شاء الله.



المنشورات ذات الصلة
نبض الحياة: الجزء 16
نبض الحياة الجزء 17
نبض الحياة..(الجزء الأول)
نبض الحياة.. (الجزء الثاني)
نبض الحياة.. (الجزء 3)
نبض الحياة.. (الجزء الرابع)