نبض الحياة..(الجزء الأول)

ديباجة:

نبض الحياة هو صيد الحياة والوجدان... وصيد قلم وصيد لسان.. نبض الحياة يضفي على حياتنا ألوانا.. نبض الحياة رحيق ورد وعطر زهر فيه سرور وآلام وأشجان..

"نبض الحياة" هو صوت الروح وحديثه.. وهمس القلب ودقاته.. وتنهدات القلم وشذراته..

سماه المفكر المسلم مصطفى السباعي "هكذا علمتني الحياة"، وسماه فيلسوف الدعوة الشيخ محمد الغزالي "جدد حياتك"، وسمته الداعية المسلمة زينب الغزالي "أيام من حياتي" وكلها تتحدث عن أشياء جميلة نراها في الحياة أو نستلهمها من الحياة.. أو نعثر عليها في طريق الحياة..

وسميته "نبض الحياة"؛ لأن هذه الذكريات الجميلة والحكم الجليلة والدروس البارزة التي نتعلمها من الحياة هي بمثابة نبض قلبها الحي وشريانها ودمها الذي يجري في عروقها...

إنه نبض الحياة تيمنا بقوله تعالى: ((وإن الدار الآخرة لهي الحيوان)).. والحيوان هو الحياة.. "نبض الحياة" قنطرة ومفازة من الحياة الدنيا إلى الحياة العليا الأبدية الخالدة عند رب العالمين..

1-جاء ربيع الأنوار..

ماذا نقول في ذكرى مولد سيد الخلائق !

هل نقول لبدر التمام حييت يا قمر بالسلام؟ فأقمار الدياجي من نوره تقتبس !

أم نقول لشمس الضحى أهلا يا مزيحة الظلام؟ وبنوره أشرقت الأرض واستضاءت الشموس !

أم نقول للسحاب سلمت يا حامل الغيث للناس؟ فبمولده رفع الله القنوط واليأس ! ...

2-فرحة عمت الكون..

لقد هلل الكون فرحا وانتشى..

واكتمل البدر ولمعت نجوم السما.. 

وأشرقت الشمس واخضر زهر الربى..

وارتجت الملائكة بالتسبيح في الملأ الأعلى..

أن قد ظهر نور الله الحبيب المصطفى..

في يوم الاثنين من شهر ربيع بأم القرى..

3-في حبه..

إن محبة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعرفتَه غاية الغايات، وأشرف المقامات، وأعلى الدرجات. فلو عرفتْه البشرية حق المعرفة، وفهمتْه حق الفهم، لهامت به حبًّا ووجدًا.. ولو تغشت الأرواح ذكراه الجميلة، لثارت أشواقها وفاضت عيونها بالدموع، ولاقشعر جلدها وهي تخطو إلى عالمه.. عالم النبوة الطاهرة، ولألقت بنفسها للريح كي تُشْعل جِذوة قلوبها المتّقدة بحبه بعدما صارت رمادًا، فتذروها الرياح نحوه صلى الله عليه وسلم.. إنه الحب الذي يؤدي إلى موت المحب في المحبوب حتى يحيا في ملكوت الحب.

4- على خطى الحبيب..

سر على خطى الحبيب محمد عليه أفضل الصلوات وأزكى التسليم.. تتبع آثار قدميه الشريفتين.. سر حيث سار.. اجعل سبيله لك سبيلا.. وحبه لك دليلا.. امض خلفه.. ولا تمش منفردا.. وإلا تهت في دروب الحياة.. وابتلعتك المهلكات وتصيدتك أفاعي الصحراء وذئابها.. كن نجما عاليا في الثريا ولا تكن زاحفا على بطنك فوق الثرى..

5-كلمة لم نقلها بعد..

على الرغم من كثرة ما نتحدث ونكتب عن سيدنا وحبيبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فإن نفسي تواقة دائما إلى المزيد.. كأني أشعر أن الكلمة التي يجب أن نقولها فيه لم نقلها بعد..

6-المرء مع من أحب..

رواه الإمام البخاري –رحمه الله- في صحيحه عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «المرء مع من أحب».

هذا الحديث النبوي العظيم بمثابة مفتاح لكل خير ومغلاق لكل شر، حديث كأنه قدح ماء زلال لأولئك العطشى في صحراء الدنيا القاحلة..

ربما تعثر المرء في الطريق.. ربما لا طاقة له لإنجاز ما يرنو إليه وتشرئب له عنقه..

فيأتي الحديث النبوي الشريف ليقدم الحل الأنجع والدواء الشافي والجواب الكافي ليرفع الهمم ويشحذ الذمم... في جملة واحدة: «المرء مع من أحب» فالحب يثمر المعية وإن بذلت جهدك ولم تصل إلى مثل عمل محبوبك سيدنا وحبيبنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم..

7-النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم..

يقول الله عز اسمه: ((النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ))(سورة الأحزاب، الآية 6): أي طاعتُه صلى الله عليه وسلم أولى من طاعة أنفُسهم، واتباعه أولى من اتباع أهوائهم، ومحبته أولى من محبة أنفسهم فبالأحرى أموالهم وأولادهم... فمحبته صلى الله عليه وسلم مَجْلاة للقلوب من الصدأ والكسل، ومَدْعاة لتحريك الهمة للجد والعمل، وهي عماد الدين، وباب النصر والتمكين، لولاها لما استقام البناء على وجه الأرض لحظات، ولا عمتنا البركة من السماوات، إنها السبيل الذي يخرجنا من ذلك المستنقع الآسن، والدرك الهابط، والظلام البهيم، السبيل الموصل إلى جنات النعيم.

8-عشر كرامات..

يقول الله تقدست كلماته: ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)) [الأحزاب:56].

إن للمصلين على سيد المرسلين وإمام المتقين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عشر كرامات:

1- صلاة الملك الغفار؛

2- شفاعة النبي المختار؛

3- الاقتداء بالملائكة الأبرار؛

4- مخالفة المنافقين والكفار؛

5- محو الخطايا والأوزار؛

6- قضاء الحوائج والأوطار؛

7- تنوير الظواهر والأسرار؛

8- النجاة من النار؛

9- دخول دار القرار؛

10- سلام الملك الغفار.

لقد فاز أهل الصلاة على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخير كله، ويكفيهم فخرا وشرفا أن الله تعالى يصلي عليهم، ويكفيهم فخرا وشرفا أن لهم معية محبوبهم يوم القيامة وشفاعته...

9-دواء داء الأمة..

بمحبة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم شفيت الأمة المسلمة في بداية أمرها، وبه تشفى في وسط أمرها وآخره. فمهما التمس الناس الهدى في غير الإسلام، ومهما تفلسفوا عن القوميات ومعانيها... كل ذلك يتبخر ويذهب أدراج الرياح ما دامت الأمة تركن إلى الأهواء القاتلة، والنّعرات القبلية، والطموحات الشخصية، وما دام داء الأمم يضرب بخيله ورجله في أرضها.

معين العلاجات كلها يكمن في هذه المحبة، وفي عودة الأمة إلى أصلها مرة أخرى، إلى أس العلاج.

10-إصلاح حال الأمة..

إن علاج أمراضنا في عودتنا إلى منهاج سيدنا وحبيبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكما قال من سبقنا بالإيمان "لن يصلح أمر هذه الأمة إلا بما صلح بها أولها".. فأمر هذه الأمة صلح في بدايته باتباع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمحبة الشديدة له والتعلق الشديد بشخصه الكريم العظيم صلى الله عليه وسلم...

 لم يكن هذا النبي العظيم –صلى الله عليه وسلم- عند الصحابة-رضي الله عنهم- مجرد مبلغ "ناقل الوحي" أدى رسالته ومضى، بل كان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. ذلك الشخص الخالد الذي اصطفاه الله تعالى وأرسله لإحياء قلوب ماتت ونفوس خربت وعقول عشش فيها الجهل... القرآن العظيم رسالته الخالدة والبيان بيانه. يسمو بهم ذلك الحب العميق لحبيبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتسمو بهم رسالة القرآن الخالدة، إلى أعلى المقامات..

11-العلاج..

إن علاج ما تعرضت له الأمة المسلمة من طعنات وتضميد جراحها وتغيير ما بها مسألة عملية؛ وهي إسماع الفطرة، وتعميق الإيمان، وزرع فسائل محبة الله ورسوله –صلى الله عليه وسلم- في القلوب، وتربية النفوس تربية إيمانية إحسانية.

لن تقوم للمسلمين قائمة، ولن يتجدد لهم دين، حتى يرجعوا إلى أصل الفلاح والصلاح، ألا وهو تزكية النفوس وبناء القلوب، مصداقا لقوله تبارك وتعالى في بيان سنته في التغيير: ((إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ))[الرعد:11].

فتغيير ما حل بالأمة رهين بتغيير ما بالأنفس التغيير المطلوب، وتطهير القلوب من رجس المعاصي، ودنس الشهوات، وملئها بنقاء الحب وصفائه...

12-القلم أمانة والعلم رسالة:

لا تكتب بقلمك إلا ما يرضي الله تعالى ويفرح نبيه صلى الله عليه وسلم، ويكثر من حسناتك، ويغفر زلاتك، ويكون لك ذخرا يوم القيامة..

تبلغ عبر قلمك ما استطعت من دين الله تعالى وسنة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، دون تعصب أو تشدد أو جفاء أو تطرف أو غلو أو سب أو شتم، بل بالتدرج واللين والرحمة والمحبة وخفض الجناح للمسلمين...جاعلا نصب عينيك قول الله تعالى: ((يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ))(سورة النور: 24).

وقول حبيبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمام الطبراني –رحمه الله- في المعجم الكبير: عَنْ أَبِي أَيُّوبَ رضي الله عنه، قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي وَأَوْجِزْ، قَالَ: «إِذَا قُمْتَ فِي صَلاتِكَ فَصَلِّ صَلاةَ مُوَدِّعٍ، وَلا تَكَلَّمْ بِكَلامٍ تَعْتَذِرُ مِنْهُ، وَاجْمَعِ الْيَأْسَ مِمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ».

13-سر المناجاة..

لله در قوم باعوا أنفسهم لله، وقرعوا بابه فإذا هو مفتوح، وواصلوا البكاء فالجفن بالدمع مقروح، وقاموا في غسق الليل قيام من يبكي وينوح، وماتت نفوسهم وتساوى عندهم المذموم والممدوح..

14-مفتاح فهم القرآن الكريم..

إن اللغة العربية هي مفتاح فهم القرآن الكريم، تحمل معها قوتها وأسس قيوميتها من الداخل ، اصطفاها الله واختارها من بين اللغات -كما هم الرسل عليهم الصلاة والسلام مصطفين من الناس-، ليجعلها لغة كتابه الخاتم إلى عباده من الجن والإنس، وأداة تعبير وتبليغ للرسالة الخالدة. والقرآن الكريم لا يكون متعبدا به في التلاوة والصلاة إلا إذا قرئ باللغة العربية كما أنزل أول مرة على سيد الأولين والآخرين الحبيب المصطفى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

إن اللغة العربية لغة ثرية وولود لا توجد في العالم قديما ولا حديثا لغة مثلها.

15-دعاء..

اللهم اجعل قوتنا في طاعتك، ونشاطنا في محبتك، ورغبتنا في ثوابك، وأتم علينا إحسانك، ومُنَّ علينا بعطائك بما تقر به أعيننا، ومن الرجاء ما تطمئن به أنفسنا، اللهم احملنا في سفن نجاتك، ومتعنا بلذيذ مناجاتك وأذقنا حلاوة حبك وقربك...

16-الدين يسر لا تشدد فيه:

إن التيسير هو العمود الفقري في جسم الشريعة الإسلامية الغراء وروح تسري فيها، وهو بمثابة الرأس من الجسد، وهذا التيسير مبني على رعاية ضعف الإنسان، وكثرة أعبائه، وأحواله...

وإن التشدد والغلو والتعسير في الدين ناتج عن الجهل بالفقه فيه وقلة الفهم بقواعد الشريعة الإسلامية ومقاصدها، فأصحاب التعسير يطالبون الناس بما لا طاقة لهم به، ويلزمونهم بما لم يلزمهم به خالقهم الذي يعلم سرهم ونجواهم، فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبَهُ ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا... » [صحيح الإمام البخاري، كتاب الإيمان، باب الدين يسر، ح39]. وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ». قَالَهَا ثَلاَثًا»[صحيح الإمام مسلم، كتاب العلم، باب هلك المتنطعون، ح6784].

17-سحر الابتسامة..

ابتسم.. فالابتسامة بلسم الآلام والأشجان..

ابتسم.. فللابتسمامة سحر ينفذ إلى الوجدان..

ابتسم.. فالابتسامة إشراقة روح وريحان..

ابتسم.. كما ابتسم حبيبنا النبي العدنان..

ابتسم..فللابتسامة جمال كجمال الأقحوان..

ابتسم من أعماق قلبك مهما كثرت عليك الأحزان..

18-أمي وأبي..

إن الله تعالى أمر ببر الوالدين والإحسان إليهما، وطاعتهما في المعروف، والاعتناء بهما ماديا ومعنويا، وقرن هذا الإحسان بعبادته لعظم شأنهما، ونهى عن نهرهما أو زجرهما أو الإساءة إليهما بكلمة جارحة أو رفع صوت، أو تغليظ في الكلام وإن كان بكلمة "أف" الدالة على التضجر والتبرم.

إن الشرع يخف لنجدة الأم والأب لئلا تبطش بِهما أنانية المجتمع وعقوق الأبناء. يقول الله عز اسمه: ((وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً)) (الإسراء:23).

ويقول جل وعلا: ((وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ)) (لقمان:14).

وخص الإسلام الأم بالوصية أكثر من غيرها، فيرشد حبيبنا المصطفى صلوات الله وسلامه عليه رجلاً جاء يسأله من أحق الناس بحسن الصحبة؟ فيقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: («أُمُّكَ». قَالَ :ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ :«ثُمَّ أُمُّكَ». قَالَ :ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أُمُّكَ». قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أَبُوكَ»). (متفق عليه).

19-المرأة وأحاديث الرفق..

ما بال أحاديث الرفق واليسر واللين ترويهم امرأة؟

روى الإمام مسلم رحمه الله عَنْ أم المؤمنين عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ الرِّفْقَ لاَ يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلاَّ زَانَهُ وَلاَ يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ شَانَهُ».

وروى الإمام البخاري رحمه الله عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ: "مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلاَّ أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا، مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ، وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِنَفْسِهِ، إِلاَّ أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ بِهَا".

لا شك أن قلب المرأة الرحيم الذي يروي تلك الأحاديث، وحس المرأة التي تعهدت الحياة وبناء الإنسان محمولا في بطنها، وموجعا من أجله أثناء ولادته، ومُرضَعا مَحْنُوا عليه، وصبيا يلعب في حجرها، فغلاما فزوجا فأبا. وما يحتاج إليه كل ذلك من الصبر والتحمل والحنان والعطف والرفق تقدره المرأة حق قدره، فتسمعه ممن لا ينطق عن الهوى، وتخزنه لنا ذاكرتها.

20-إن سعيكم لشتى..

يقول الله تبارك وتعالى: ﴿وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى﴾ (اليل: 3-4)؛ هذا أقوى دليل على اختلاف الرجل والمرأة في المهمات والوظائف؛ فالله جل ذكره قسم بخلقهما وجعل جواب القسم اختلاف سعيهما؛ كما هو شأن سعي الناس فهو سعي شتى في هذه الحياة، فللمرأة سعيها في تربية أبنائها وفي إسهمامها في بناء المجتمع (الحافظية)... وللرجل سعيه في الكد وتكبد المشاق لإعالة أسرته وحمايتهم وتربيتهم (القوامة)...

21-النساء شقائق الرجال..

المرأة والرجل وجهان لعملة واحدة للمرأة الحافظية وللرجل القوامة...والنساء شقائق الرجال، والنساء والرجال أكفاء في شرع الله المنزل بميزان العدل، لا ترجح كفة أحدهما على الآخر إلا بالتقوى والمحبة والقرب من الله تعالى.

أما التكافؤ في الحقوق والواجبات الدنيوية فمحكوم بشريعة مفصلة ثابتة ثبوت الفلك الدوار وثبوت سنن الله في الحياة.

22-حرية المرأة..

إن تحقيق طموحات المرأة المشروعة ليس شيئا خارجا عن الإسلام، بل إن تحقيق تلك الطموحات المشروعة من أولويات الحقوق في ديننا الحنيف ومن يرى غير ذلك فهو ضعيف البصر والبصيرة.

إن دين الإسلام قد حرر المرأة منذ أكثر من خمسة عشر قرناً فقد حررها أولا ًمن عبوديتها لغير الله تعالى وكفى بها حرية...

23-وإذا الموءودة سئلت..

ربما لم يخطر ببالنا يوما أن توأد المرأة من جديد واعتبرنا ذلك من عمل الجاهلية الجهلاء، لكن لم نعلم أن وأدها يتم بطرائق جديدة؛ بأكفان شتى وقبور مختلفة؛ بدفعها إلى الدونية والعنف ضدها، والتنقيص من مكانتها، وإهانتها، وضربها بوحشية، وانتهاك كرامتها وعفتها، ورفض مشاركتها في الحياة، ورفض رأيها و... وأتينا بتقاليد جديدة في معاملة المرأة لم تكن في عهد التنزيل ولا الخلافة الراشدة...

24-جاهلية أخرى..

إنه أفعوان بشري من كانت رجولته لا تتجلى إلا في الوحشية العضلية والعدوان على زوجه أم أولاده، فإذا دخل البيت دخل غولا عبوسا قمطريرا، وإذا كان مع أصدقائه فيتقطر فمه أدبا وحكمة ومروءة...

هكذا انقلبت العشرة الزوجية من معاني المحبة والمودة والتعاون والتكامل إلى علاقة الجلاد بضحيته، والمالك في ملكه...

من يعنف على المرأة إلا رجل خال من المروءة، ناقص في العقل والدين، فاقد لأهم السمات الإنسانية: الشفقة والرحمة والمودة...

إن العنف ضد المرأة من عادات الجاهلية الأولى، والجاهلية جاهليات، منها التي سبقت عصر التنزيل وكانت تستاء من وجود الأنثى فاحتقرتها ووأدتها، ومنها الجاهلية التي جددت الأولى وأهانت المرأة وظلمتها ومارست عليها كل أشكال العنف والاضطهاد.

والإسلام منذ خمسة عشر قرنا يحض على الرفق والرحمة بالنساء، ونبذ العنف بكل أشكاله في معاملتهن.

25-همة النساء..

همة النساء وثباتهن وعطاءهن كان الأساس الخلقي المعنوي الذي رُكِّزَ عليه لواء الإسلام زمن التنزيل. وها هي أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها وعليها السلام من السلام حاطت سيد الوجود صلى الله عليه وسلم بعنايتها، وتزوجت، وأنفقت. وهي زوّدته لغار حراء يتحنث. وهي أول الناس إيمانا به وصدقته وثبته لما جاءها وفؤاده يرجُف من رؤية جبريل -عليه السلام- الذي جاءه بالوحي. قالت له وقد بث إليها أنه خشي على نفسه: (كلا! أبشر! فوالله لا يخزيك الله أبدا! إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمِل الكَلَّ، وتكسِبُ المعدوم، وتَقْرِي الضيف، وتعين على نوائب الحق). [الحديث رواه الشيخان عن أم المؤمنين الصِّديقة بنت الصديق عائشة رضي الله عنهما].

26-عبرة من نملة..

كانت "النملة" قادرة على الهرب بنفسها وتترك أمتها –أمة النمل- ليحطمها سليمان وجنوده, إلا أنها عاشت لأمتها فخلد الله ذكرها، وسمى سورة قرآنية باسمها! ((حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ))[النمل: 18].

27-صانعة المستقبل..

للمرأة مكانة عظيمة في ديننا الحنيف فهي صانعة المستقبل ومربية الأجيال هي المجتمع كله، إذا صلحت صلح المجتمع وإذا فسدت فسد المجتمع، هي بمثابة الروح في الجسد والركيزة الأساسة في البناء...

ولهذا حث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسم وحض على الإحسان إليها، ومعاشرتها بالمعروف والخلق الكريم، وإشراكها في بناء صرح الأمة والأخذ برأيها فيما يفيد وينفع...

28-في الحب النبوي..

حب سيدنا رسول الله-صلى الله عليه وسلم- شمعة في قلبك فاخترق بها ظلمة الحياة.. فهو أصلك وفصلك وسعادة قلبك وأنس وحشتك.. هو صاحبك في الحضر والسفر.. هو دليلك إلى الخيرات.. وحجابك من النار.. ورفيقك إلى الجنة...

إنه ماء الحياة به تنتعش أرض القلب، وتنتفض بحيوية السكينة، وتتدفق بخضرة الود والصفاء...

بهذا الحب تسري الروح في الحياة.. وتبعث الروح في القلوب الميتة... بحب سيدنا وحبيبنا ومولانا محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم..

29-سر الوجود..

الحب سر الوجود إلى الأبد.. والأمل المنشود لمن شرد.. الحب يحيي الروح والجسد.. الحب هو العمدة والسند.. الحب أمن لكل بلد.. الحب يذهب القحط والبدد.. الحب هو للقلب المدد...

30-كيف يسري نور القرآن في قلبك؟

عن الإمام علي رضي الله عنه وكرم وجهه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أدبوا أولادكم على ثلاث خصال : حب نبيكم، وحب أهل بيته، وقراءة القرآن فإن حملة القرآن في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله مع أنبيائه وأصفيائه»(رواه الديلمي).

فالقرآن نور نزل به النور (سيدنا جبريل عليه السلام) من النور(الله جل وعلا) على النور (الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم)، فإذا أحببت هذا النور -صلى الله عليه وسلم- سرى نور القرآن في قلبك بفضل هذه المحبة الصادقة العميقة، وسهل عليك حفظه وفهم معانيه لأنك أحببت القلب الذي أنزل عليه القرآن ويسر بلسانه وتخلق بأخلاقه (كان خلقه القرآن) كما روت الطاهرة العفيفة الصديقة بنت الصديق أمنا عائشة رضي الله عنها لما سئلت عن خلق سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فالصحابة رضي الله عنهم أوتوا الإيمان قبل القرآن، شربت قلوبهم الإيمان من القلب الذي أنزل عليه القرآن، أخذت منه الإيمان وأخذت منه القرآن.

أحب الصحابة رضي الله عنهم حبيبنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم محبة شديدة فأفاض عليهم من بركة محبته ما صيرهم إلى أن يفتدوه بالمهج، فكانت أخلاقهم قرآنية وتربيتهم قرآنية، ومعاملتهم للناس قرآنية، ومعاشرتهم لأهاليهم قرآنية، وتربيتهم لأولادهم قرآنية، ومواقفهم قرآنية ... وحفظوا القرآن الكريم، وتدبروا آياته، وتخلقوا بأخلاقه، وطبقوا أحكامه وفرائضه وجعلوه دستور حياته مفرضي الله عنهم جميعا...

31-رجال الغد..

 إن الطفل بالنسبة لنسل الإنسان كالبذرة بالنسبة لنسل الشجرة، والأمم التي تهمل أطفالها محكوم عليها بالانقراض والاندثار.

وعلى كل أمة تريد ضمان مستقبلها واستمرار حياتها توجيه عنايتها إلى تنشئة أطفالها الذين سيكونون أعمدة بنائها ورجالها في المستقبل... فضياع الأطفال يعني ضياع مستقبل الأمة.

والأمة إذا تخلت عن أطفالها وتربية أجيالها حسب فلسفة الإسلام في التربية والتوجيه، محكوم عليها بالتحلل والذوبان بين فكّي الزمان الذي لا يرحم!

32-صلاح البيت صلاح المجتمع..

إن البيت السعيد يعني المجتمع السعيد، فواجب الأب والأم التربوي إزاء هذا الطفل أن يستنيرا بالوحي ويعملا عليه لتكون تنشئة هذه الزهرة على بينة وعلى صراط مستقيم، وإلا فالغزو الفكري انتشر في مجتمعاتنا انتشار النار في الهشيم، والدعوات المغرضة والصيحات التغريبية تملأ الدنيا صياحا.

وليبذل الآباء والأمهات جهودهم في حفظ النشء من نوافذ الإعلام الغربي المفسد والمنحل المفتوحة أبوابه على مصراعيها، ومن المؤثرات الخارجية التي تُذْبِل زهرة الأخلاق، وتُعَوِّجُ عود الاستقامة، وتمتص رحيق الأغصان، وتسقي السموم، وتلقِّح بذور الشر، وتلقم سخافات تسخر من الدين، وتشبع النشء غازات سامة تنزع الأخلاق وتنازعها...

 33-الطفل أمانة..

إن الطفل أمانة عند والديْه، وقلبه صفحة بيضاء فإن ملئت بالخير ونقش في قلبه نشأ عليه، وكان من السعداء في الأولى والآخرة، وكان لوالديه الحظ من تلك السعادة وثواب تلك التنشئة، وإن ملئت تلك الصفحة بالشرّ وتحول بياضها إلى سواد شقي وهلك، وشقي معه أهله، لكونهم أهملوه ولم ينشئوه تنشئة صحيحة.

34-الأبوة والأمومة حفاظ على الفطرة وصيانة لها..

إن من الآباء والأمهات مَن يقومون برعاية كاملة لجسم الطفل، لكنهم يتركون تزكية النفس والتربية على الأخلاق الحسنة لغيرهم جهلا أو تجاهلا... فما الأبوة والأمومة إنجاب جسوم فحسب، بل هي إصلاح العمل، وصيانة الفطرة  والحفاظ على سلامتها.

نعم للرعاية الجسمية مكانها وأهميتها في شريعة الإسلام، لكنها تواكب الرعاية النفسية القلبية، وإلا وقع خلل في تنشئة الطفل، كما هو واقعنا اليوم.

35-صفحة بيضاء..

إن الطفل صفحة بيضاء، قابلة للكتابة بكل الرموز والألوان.

لذا يجب أن يكتب فيها الفضيلة والخير، والآداب الإسلامية والأخلاق المحمدية، والخصال الكريمة...

36-الغد المشرق..

إن الطفل هو الغد القادم، فلرسم هذا الغد يجب أن يكثف الآباء جهودهم ويسخروا طاقاتهم لتربيته تربية إسلامية أصيلة، تنفع الأمة وترفع الهمة وتعود بالخير على الأسرة والمجتمع...

37-مستقبل أمة..

إذا أردت أن تعرف مستقبل أمة فانظر إلى حاضر أطفالها وحالهم وتربيتهم..

38-زنة الأخلاق..إن الرفق زنة الأخلاق وتاج الفضائل، يفعل في نفسية الطفل ما لا تفعله القسوة والخشونة، ويعطي ثماره كل حين بإذن ربه.

39-كالغيث..

الحب كالغيث أينما نزل نفع؛ يسقي الأرض وينبت الزرع، ويَروي الظمأ، ويملأُ النفوس فرحاً ورجاءً، ويملأ الحياة رَوْحاً وبهجةً وسكينةً...

40-الوسطية..

يقول الله تبارك وتعالى: ((وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ، أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ، وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ)) [ سورة الفرقان: 67]، نلمح في هذه الآية الكريمة إشارة قوية إلى الوسطية، فلا وكس ولا شطط، ولا إفراط ولا تفريط، ولا غلو ولا تقصير، في الإسلام.

وكل نهج خالف الوسطية برئ منه دين الله، وجاءت شريعة الإسلام بالحنفية السمحة، والوسطية والاعتدال، وبالقول الفصل الذي يعلو ولا يعلى عليه.

درشيد كهوس

انتهى الجزء الأول من  سلسلة "نبض الحياة"ويليه الجزء الثاني -إن شاء الله تعالى-، ويتكون كل جزء من 40 قنوانا..



المنشورات ذات الصلة
نبض الحياة: الجزء 16
نبض الحياة الجزء 17
نبض الحياة..(الجزء الأول)
نبض الحياة.. (الجزء الثاني)
نبض الحياة.. (الجزء 3)
نبض الحياة.. (الجزء الرابع)