نبذة من حياته: هو الإمام أبو بكر -وقيل أبو عبد الله-، محمد بن إسحاق بن يسار بن خيار، وقيل بن يسار بن كوتان، المطلبي بالولاء، المدني القرشي، ولد عام 80 هـ ونشأ في بيت علم وفقه وصلاح فوالده أحد الثقات الرواة. أخذ العلم عن جم غفير من العلماء والفقهاء، وارتحل إلى الكوفة، والري، والحيرة وبغداد، وآخرها مصر، ثم عاد إلى المدينة المنورة. كان رحمه الله بحرا من بحور العلم، وثَبْتًا في الحديث عند أكثر العلماء، وأما في المغازي والسير فلا تجهل إمامته فيها. وقال عنه الإمام ابن شهاب الزهرى-رحمه الله-: "لا يزال بالمدينة علم ما بقي وذكر ابن إسحاق". وقال عنه الإمام سفيان بن عيينة-رحمه الله-: "ما أدركت أحدا يتهم ابن إسحاق في حديثه". وقال عنه الإمام الذهبي-رحمه الله-:"العلامة الحافظ الإخباري". روي عن الإمام الشافعي –رحمه الله- أنه قال: «من أراد أن يتبحر في المغازي فهو عيال على ابن إسحاق». توفي رحمه الله سنة 151هـ"([1]). منهاج ابن إسحاق في سيرته: يستخدم الإمام محمد بن إسحاق –رحمه الله- منهجا في عرض الأحداث: بحيث يقدم ملخصا، ثم يورد روايات مختلفة لها وإن تكرر محتواها، تارة يشير إلى تاريخها وتارة لا يشير. وأحيانا يشير إلى أهمية الأحداث ويستغرق صفحات طويلة في أسبابها وأهدافها وقوتها وأحيانا أخرى يمر عليها مرور الكرام. وقد روى سيرته عدد كبير من العلماء وأهل المغازي والسير ونقلوا موادها وحدثوا بها، بل تعد سيرته المعول لكل داخل لدراسة السيرة النبوية، ومع أهميتها فقد اكتنفتها ملابسات غربلها علماء الحديث المعاصرون فانتقوا السمين من الهزيل والصحيح من الضعيف والمتروك... والجدير بالذكر أن كتاب سيرة ابن إسحاق رُغم ما قيل فيه من أقوال فَقَد فُقِدت بعض أسفاره وقطعه وضاعت من المكتبة الإسلامية، لولا ما وصلنا من تهذيب لسيرته على يد ابن هشام، والتي تعتبر أقدم كتب السيرة عهدا –طبعا بعد ابن إسحاق-، ولو عمدنا إلى رواية الإمام الطبري عن الإمام ابن إسحاق وكذلك الإمام الواقدي لاجتمع لنا من كتاب المؤرخ الأول للسيرة النبوية معظمه إن لم يكن كله. وتوجد أجزاء مخطوطة من سيرة ابن إسحاق في 300 صفحة كتبت سنة 506 ه في خزانة جامعة القرويين بفاس برواية تلميذ ابن إسحاق يونس بن بكير(ت199هـ)، وأخرى في المكتبة الظاهرية بدمشق برواية محمد بن سلمة([2]). كما يوجد سفر منها -يشمل أحداث السيرة النبوية من البداية إلى غزوة أحد-، في مكتبة كوبريلي التركية تحت رقم 1140، ونسخة في دار الكتب المصرية([3])، وقد أُحصيت لإمام أهل السير محمد بن إسحاق شذوذات ومخالفات ولم يوافق عليها لأنها عارضت روايات أخرى صحيحة؛ لأن اهتمامه الرئيس لم يكن منصبا على تدقيق صحة الروايات وإنما كان غرضه الأول جمع كل ما يمكن جمعه من معلومات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتابه. وقضى –رحمه الله- معظم حياته لجمع الروايات المختلفة من المصادر الشفهية -التي كانت متوفرة آنذاك- من المدينة ومصر وبغداد، ولما رحل إلى بغداد قدم له أبو جعفر المنصور العباسي الدعم اللازم لكتابة كتاب عن تاريخ رسول الله صلى الله عليه وسلم... وقد تكلم رجال الجرح والتعديل في ابن إسحاق منهم الإمام ابن حجر العسقلاني في الجزء السابع من كتابه تهذيب التهذيب، والإمام الذهبي في الجزء الثالث من كتابه ميزان الاعتدال في نقد الرجال. ([1]) انظر ترجمته في: وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، لابن خلكان، 4/276-277. الروض الأنف للسهيلي، 1/4. معجم المؤلفين، كحالة، 9/44، الأعلام لخير الدين الزركلي، 6/28، سير أعلام النبلاء لشمس الدين الذهبي، 7/33 وغيرها. ([2]) اشتغل عليهما الشيخ محمد حميد الله، ونشرها معهد الدراسات والأبحاث للتعريب. لتحميل هذه النسخة:http://www.waqfeya.com/book.php?bid=5379 ([3]) قام بتحقيق نسخة تركيا ومصر الأستاذ أحمد فريد المزيدي وأضاف إليه ما تبقى من أحداث السيرة النبوية من سيرة ابن هشام وطبع في مجلد واحد نشرته دار الكتب العلمية ببيروت لبنان، 1424هـ.لتحميل هذه النسخة:http://ia600406.us.archive.org/17/items/waq69047/69047.pdf د.رشيد كهوس