المؤتمر الدولي: الأسرة المسلمة في ظل التغيرات المعاصرة

 

شارك الدكتور رشيد كهوس في فعاليات المؤتمر العلمي الدولي: (الأسرة المسلمة في ظل التغيرات المعاصرة) الذي نظمه المعهد العالمي للفكر الإسلامي بالأردن بالتعاون مع الجامعة الأردينة ووزارة التنمية الاجتماعية خلال أيام 9-11 أبريل 2013، شارك ببحث بعنوان: (المسؤوليات الأسرية في الرؤية الإسلامية ومدونة الأسرة المغربية).

 

وهذا ملخص البحث المقدم لهذا المؤتمر:

إن من أهم المسؤوليات التي جاء بها القرآن الكريم في مجال الأسرة، وبينتها السنة العطرة ليحفظا الأسرة ويضمنا استقرارها واستمرارها: مسؤوليتا القوامة والحافظية، في قول الله تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ﴾(النساء: 34)، هذه المسؤولية تستلزم من الزوجين القيام بها لتحقيق رسالتهم في الحياة، والمحافظة على سلامة الأسرة من الانحرافات والمشكلات الداخلية وتأمين سعادة عناصرها، وصونها من التصدُّع والانهيار، وحمايتها من النزوات العارضة، وتأليف البيئة الطيبة الصالحة وتوحيد الأمة بتماسك الأسر المسلمة وتآزر الزوج والزوجة وبانسجام القوامة والحافظية في الحياة الأسرية.

وتوزيع الإسلام للمسؤوليات الأسرية لم يكن تبعا للأهواء، أو ميلا إلى جهة دون أخرى-كما يعتقد بعض المغربين-، وإنما كان توزيعا عادلا، وتكليفا لكل عضو من أعضاء الأسرة بالجانب الميسر له والذي هو مُعان عليه من الفطرة، ولما اختص به من خصائص في التكوين والاستعداد، والوظائف والاختصاصات. فعن عبد الله بن عمر، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : ((كلكم راع وكلكم مسؤول ... والرجل راع على أهله وهو مسئول، والمرأة راعية على بيتها وهي مسئولة ...))[البخاري ومسلم].

ولأهمية المسؤوليات الأسرية في استقرار الأسرة ومن ثم تُلقي باستقرارها على المجتمع بأسره، أحببت أن أجعلها موضوع بحثي المقدم لهذا المؤتمر، لكونها من المواضيع التي تحتاج إلى دراسة عميقة في ضوء القرآن والسنة النبوية وما استجد في قوانين الأسرة، لتقديم حلول لمشكلاتها في هذا الوقت الذي تعقدت فيه الحياة، وطغى فيه تيار المادة الجارف.

ويهدف هذا الموضوع إلى بيان الصورة الحقيقية لهذه المسؤوليات في الإسلام على عكس الصورة المشوهة التي يروج لها دعاة اللائكية والتغريب والاستغراب، لحماية الأسرة المسلمة من هذه الآثار التغريبية التخريبية السلبية.

وللأهمية التي يكتسيها هذا الموضوع جعلته في مباحث ثلاثة:

أولها: للحديث عن مسؤولية الرجل الزوج:  مشروعيتها ماهيتها وحدودها ومستلزماتها ومظاهرها.

وثانيها: للحديث عن مسؤولية المرأة الزوج: معناها، ومشروعيتها، ومظاهرها، وعلاقتها بمسئولية الزوج .

آخرها: للحديث عن مقاصد المسؤوليات الأسرية.

وسأركز في هذا العرض على أهم النقاط، ومن أراد الاطلاع على تفاصيلها فليرجع إلى بحثنا الذي فصلنا فيه الرؤية الإسلامية لهذه المسؤوليات وما جاء في مدونة الأسرة المغربية من مستجدات حولها.

مسؤولية الرجل الزوج

معنى القوامة وأسبابها وحدودها

1.ماهية القوامة: فالمقصود بالقوامة في الاصطلاح قيام الرجل الزوج على أسرته بالحماية والرعاية والصيانة والتدبير وتوفير ما تحتاجه ماديا ومعنويا وما ينفعها في الدنيا والآخرة.

والأصل في قوامة الرجل على أسرته قوله تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾(النساء: 34)، والآية بينت أسباب هذه القوامة، فالأول: وهبي لقوله تعالى: ﴿بما فضل الله بعضهم على بعض﴾. وهو ما أودعه الله في الرجل من خصائص فطرية تجعله أهلا لتحمل تلك المسئولية الثقيلة التي تتطلب قوة وصبرا وشجاعة وتحملا وطول النفس... والثاني كسبي: لقوله تعالى: ﴿وبما أنفقوا من أموالهم﴾، لأن الرجل هو الذي يؤدي المهر وهو الذي يتكلف بالنفقة على أسرته والذب عنها وهو الذي يتحمل الصعاب ويسهر الليالي الطوال في سبيل ذلك.

2.حدود القوامة: إن الشرع الحنيف لما جعل القوامة بيد الرجل لم يجعل ذلك مطلقا يفعل بها ما يشاء وكيف يشاء وفق هواه وما تشتهيه نفسه، ولم يطلق له العنان ليعبث بأسرته ويقودها إلى المهالك، ولم يقصد بأن تكون هذه القوامة سيفا مسلطا على المرأة أو الاستبداد بحريتها وانتهاك كرامتها، وإنما جعل لهذه القوامة حدودا، وأحاطها بسياج متين حتى تحقق أهدافها ومقاصدها في بناء أسرة مستقيمة تسير سويا على صراط مستقيم.

وقوامة الرجل على أسرته التي قضى بها الشرع هو ما تقتضيه الفطرة وأصل الخِلقة لكل منهما، هذه القوامة للرجل في مصلحة المرأة والأسرة، وهي تقوم على أساس من المحبة والمودة والرحمة بين أفرادها، وعلى هذا فإن استمرار الحياة الأسرية واستقرارها وتحقيق مقاصد الزواج وحفظ مصلحة الأسرة، كل ذلك يستلزم أن تقر الزوجة برضا بأن القوامة في الأسرة هي للزوج بحكم الشرع، وأنه القوام عليها، وأن على الزوج أن يفقه الغرض من هذه القوامة التي قررها له الشرع، والأساس الذي قامت عليه، حتى لا يتعسف في استعمال ما تخوله هذه القوامة من سلطة، فهي لا تعني القهر والاستبداد، ولا تعني إهدار شخصية المرأة وأهليتها ومقومات إنسانيتها.

فالقوامة رعاية ومشاركة وحماية وتكليف وأمانة ومسئولية.

وهكذا تبدو القوامة في عمقها مبنية على التآزر والتعاون والتكامل والتوادد بين الزوجين، واقفة عند حدود الله، منصاعة لأوامره عز وجل سائرة على منهاج نبيه صلى الله عليه وسلم خاضعة لتوجيهاته التي تضيء لها دروب الحياة وتحفظها من الآفات.

3.علاقة القوامة بالدرجة: إن درجة الرجل على المرأة هي درجة الرفق والرحمة والتعاون وكل الصفات الواجبة في حق الرجل في معاشرته لأهله: وليست محاباة للرجل ولا تنقيصا من حق المرأة أو مكانتها، وإنما هي مسئولية ملقاة على عاتق الرجل وسيسأل عنها يوم القيامة هل أداها كما أمره الله تعالى، هذه هي الدرجة درجة القوامة والرعاية والحياطة لا يتجاوزها إلى قهر النفس وجحود الحق.

إن الدرجة التي أعطاها الله عز وجل للرجال على النساء بصريح النص القرآني هي تثقيل لميزان الرجل بمثاقيل المسئولية، وتخفيف عن أعباء المرأة التي ندبها الشرع بمسؤولية عظيمة. "الدرجة" إمارة في القافلة الاجتماعية الأسرية، هي بمثابة أمير للسفر الذي أوصت به السنة النبوية. إمارة بدونها تكون الفوضى في القافلة، فتضعف، فيجد العدو فيها مغمزا، فيعدو عليها ويمزقها.

القوامة في مدونة الأسرة المغربية

لم تذكر مدونة الأسرة مسؤولية "القوامة" بصريح العبارة، وإنما ذكرت حقيقتها وماهيتها ومظاهرها ومستلزماتها؛ فتحدث عن معناها وحقيقتها في المادة:4 من مدونة الأسرة أثناء تعريفها للزواج حيث جاء فيها: "الزواج ميثاق تراض وترابط شرعي بين رجل وامرأة على وجه الدوام، غايته الإحصان والعفاف وإنشاء أسرة مستقرة، برعاية الزوجين، طبقا لأحكام هذه المدونة".

إن المسؤوليات الأسرية النص الجديد توحي إليه عبارة: "إنشاء أسرة مستقرة برعاية الزوجين".

وإن كانت بعض الآراء تزعم أن القوامة حذفت من مدونة الأسرة، لكن يبقى كلامهم غير علمي ولا واقعي ولا منطقي، فالمدونة لم تقل "تحت رئاسة الزوجين"، وإنما قالت "تحت رعاية الزوجين"، كل منهما يرعاها حسب مهمته ووظيفته، ... كما سبق في الحديث الشريف الصحيح: (الرجل راع.. والمرأة راعية..).

ثم نصت في المادة 51 على الحقوق والواجبات المتبادلة بين الزوجين داخل الأسرة والتي من شأنها الحفاظ على كيان الأسرة وسلامتها فذكرت: المساكنة الشرعية والمعاشرة بالمعروف، والعدل بين الزوجات عند التعدد، وتحمل المرأة مسئولية رعاية الأسرة مع زوجها، والتشاور في اتخاذ القرارات الأسرية...

إضافة إلى ذلك فإن مدونة الأسرة -حسب بعض المتتبعين- حرصت على عدم إبراز الجانب الفردي في بناء الأسرة، واختيار التركيز على تكافؤ الزوجين في إنشائها، وفي تحمل مسؤولياتها، وأكدت عنصري التراضي والرعاية المشتركة للزوجين في تدبير شؤون بيت الأسرة.

مظاهر القوامة

إننا إذا تتبعنا الآيات القرآنية والنصوص الحديثية المتعلقة بقوامة الرجل على الأسرة، نخلص إلى أن القوامة تتمظهر في ثلاثة مجالات أو أحكام وهي كالآتي:

1.مظهر النفقة والرعاية والقيام بالأمر: وهو  أهم مظاهر القوامة وأبرزها، وجاءت نصوص شرعية كثيرة توجب على الرجل النفقة على أسرته ورعايتها من كل ما يتربص بها من الداخل والخارج، والقيام بأمورها الدنيوية بتوفير ضروريات حياتها، والأمور الأخروية بالسعي فيما يقي أفرادها حر الجحيم يوم القيامة.

وقد أكدت مدونة الأسرة هذا المظهر –النفقة-، حيث نصت في الفقرة الثانية من المادة 13 وفي المواد: من 26 إلى 34 على الصداق وهو يندرج في النفقة الأسرية.

كما نصت أنه إذا امتنع الرجل عن أدائها من حق الزوجة أن تطلب التطليق، كما نلاحظ ذلك في المادة 98، ويتضح ذلك جليا في المادة في المادة 102.

وفضلا عن ذلك فإن المدونة الجديدة خصصت القسم الثالث من الكتاب الثالث (من المادة 187 إلى 205) لأبرز مظاهر القوامة وهو النفقة وأحكامها.

2.مظهر الولاية: وتنقسم الولاية إلى قسمين: ولاية على النفس وولاية على المال؛ أما الولاية على المال فحفظ مال غير راشد أو سفيه أو مجنون...وأما الولاية على النفس، فتنقسم إلى قسمين:

ولاية الحفظ والصيانة: للصغير والكبير معا، لجلب المصالح إليهم ودفع المضار عنهم.

وولاية تزويج الفتاة.

وهذه الولاية -بمعانيها السابقة- شرعت لحفظ الأسرة وكرامتها ومصالحها ودفع الضرر عنها.

أما ولاية تزويج الفتاة فإنها لا تشكل طعنا على المرأة في عقلها ولا إلغاء لشخصيتها ولا سلبا لحريتها ولا تنقيصا من أهليتها، وإنما هي مظهر من مظاهر تكريم الإسلام للمرأة، يراعي عدم خبرتها بالرجال.

أما مدونة الأسرة فقد تحدثت عن كل أقسام الولاية بتفصيل، إلا أنها في ولاية تزويج الرشيدة جعلتها اختيارية لا إجبارية، كما جاء في المادة 24 "الولاية حقا للمرأة تمارسه الرشيدة حسب اختيارها ومصلحتها"، وفي المادة 25: "للرشيدة أن تعقد على نفسها بنفسها أو تفوض ذلك لأبيها أو لأحد أقاربها".

3.مظهر الطلاق: إن من مظاهر رحمة الله تعالى بعباده جعله بيد الرجل، وذلك لاعتبارين: أولهما: كسبي، فهو القوام على بيته يتحمل تبعاتها وحاجاتها... والثاني فطري، لكونه أكثر تحكما في تصرفاته وأقل اندفاعا مما يجعله أكثر تبصرا وتأملا.

ولقد حذر الإسلام من الطلاق بدون سبب، فهو أبغض الحلال إلى الله تعالى، والإكثار منه يؤدي إلى خراب البيوت والمجتمعات، فهو أخف الضررين لنكاح فاشل سدت جميع الأبواب في وجهه، ولحياة زوجية لا تطاق بعد نفاد كل الوسائل والحلول للم الشمل، فكان الطلاق رحمة في حياة نكدة لا تطاق، وبعد صلح لم يؤت ثماره.

وعليه، فإن كان الطلاق في أغلب حالاته -حق- يمارسه الزوج أو الزوجة-في حالة التمليك-، إلا أن مدونة الأسرة اشترطت إشراف القضاء على جميع أنواعه، بمعنى أن كل طلاق لم تأذن به المحكمة لا يعتد به بمقتضى أحكام المدونة.

كما جعلت الطلاق استثناء وأخف الضررين عند فشل كل محاولات الصلح، وأخضعته للرقابة القضائية بداية بمسطرته أمام قضاء الأسرة وحضور الزوجة حيث يمكن الإحالة على القانون الجنائي إذا ما ثبت تلاعب الزوج، ثم مسطرة الصلح، ووصولا إلى تحديد واجبات الطلاق والنفقة بناء على معايير المواد: من 78 إلى 89 من المدونة.

أضف إلى ذلك أن المدونة وسعت نطاق الطلاق لما فتحت مسطرة طلاق الشقاق وسهلت عمليته وطريقة توثيقه وآثاره وأحكامه، أضف إلى ذلك مسطرة الطلاق الاتفاقي، حيث نصت المدونة في المادة 114 على أنه "يمكن للزوجين أن يتفقا على مبدأ إنهاء العلاقة الزوجية دون شرط، أو بشروط لا تتنافى مع أحكام المدونة، ولا تضر بمصالح الأطفال".

 والغاية من هذا المقتضى الاستجابة لرغبة الزوجين اللذين يودان عدم إفشاء خلافهما أمام المرافعات القضائية، حفاظا على سمعتهما والمرونة التي يجب أن تسود علاقتهما تجاه أبنائهما.

هذه أهم مظاهر القوامة، فهي لا تلغي شخصية المرأة ولا مهمتها الفعالة داخل الأسرة، فهي الراعي المباشر للمحضن الأساس للنشء، وهي سكن الرجل وملجؤه، وهي صانعة الرجال من الصغير إلى الكبير.. فالقوامة مظهر من مظاهر تكريم المرأة وحق من حقوق الأسرة.

 مسؤولية المرأة الزوج (الحفظ؛ حفظ بيت الزوجية)

لقد اختارت الشريعة الإسلامية الغراء المرأة لمسؤولية أنبل وأشرف فجعلتها أما وزوجة لما امتازت به من خصائص في تكوينها الجسمي والعاطفي والنفسي يتناسب مع أنوثتها والمسئولية الملقاة عل عاتقها، فكانت بذلك مكملة للرجل وأهم عناصر إسعاده بل كانت دعامة الأسرة السعيدة، وبوظيفة المرأة ووظيفة الرجل يتحقق ذلك البناء الذي يشد بعضه بعضا وتلتحم تلك اللحمة التي تلاشت في الجاهلية وفي عصرنا الحديث، فالرجل مكمل للمرأة والمرأة مكملة للرجل، ولا يمكن أن يعيش أحدهما بمعزل عن الآخر، فكانت الحكمة الإلهية عادلة في ذلك.

ماهية الحفظ أو الحافظية

1- معنى الحافظية والحفظ: الحافظية لغة: من الحفظ ضد النسيان، وتعني التفقد والتعهد والرعاية...

2- الحافظية والحفظ في الاصطلاح القرآني والحديثي: يقول الله تبارك وتعالى: ﴿فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ﴾(النساء: 34). والآية تحدد مسئولية المرأة لكن تفاصيلها وردت في أحاديث نبوية أخرى.

روى الإمام ابن جرير في تفسيره عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «خير النساء امرأة إذا نظرت إليها سرتك، وإذا أمرتها أطاعتك، وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك" ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: ﴿الرجال قوامون على النساء... ﴾ إلى آخرها».

فما جاء في الآية الكريمة وهذا الحديث النبوي الشريف جامع وشامل لمعاني الحافظية والحفظ التي تعني: المساكنة الزوجية والاستقرار الأسري، وصيانة النفس، وطاعة الزوج وحفظه في ماله وبيته وأسراره، وحفظه في أبنائه بالتربية الحسنة والأدب النافع في الدين والدنيا، وحفظه في غيابه وحضوره بما أمر الله تعالى به أن تحفظ، لا تقصر في مسئوليتها ورعايتها، بعد أدائها حقوق الله عليها...

وما أدرجت المرأة في صف الصالحات إلا بأدائها لحقوق زوجها عليها.

فإذا عُدت المرأة الطائعة لزوجها في المعروف، والحافظة لبيتها ونفسها وأبنائها ومال زوجها في سلك الصالحات، فبمفهوم المخالفة فإن المرأة التي لا تطيع زوجا ولا تحفظه في غيابه لا تعد من الصالحات.

ثم تأتي تفاصيل الحفظ الزوجي أو الحافظية الزوجية في آيات أخرى وأحاديث نبوية شريفة أذكر من الأحاديث مثلا: ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبة البلاغ والوداع فقال: «أَلاَ إِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقًّا، وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا، فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ أَلاَّ يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ وَلاَ يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ، أَلاَ وَحَقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ فِي كِسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِنَّ» [سنن الترمذي]. وفي حديث آخر: «والْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بعلها وَوَلَدِهِ وهي مسئولة عنهم».

أما مدونة الأسرة فاكتفت للإشارة إلى مسؤولية الزوجية بما جاء في المادة 4:..."إنشاء أسرة مستقرة برعاية الزوجين" وبما جاء في الفقرة الثالثة من المادة 51: "تحمل الزوجة مع الزوج مسؤولية تسيير ورعاية شؤون البيت والأطفال"، وبما جاء في المادة 54 في تقريرها للحقوق الواجبة للأطفال على أبويهم.

وخلاصة القول: إن الحفظ الزوجي أو الحافظية الزوجية هي صلاح المرأة في نفسها وإصلاحها لأبنائها، وطاعتها لزوجها، وحفظها لحرمة الرباط المقدس والميثاق الغليظ بينها وبين زوجها ولما أوجب الله عليها حفظه من أمور الزوجية في غيبة الزوج ووجوده.

حافظية المرأة لا تقتصر على حفظ الحقوق الزوجية فقط، بل تشمل كل الحقوق المكلفة بها، تنطلق من حفظ حقوق الله تعالى والسعي لنيل رضاه وترجع إليهما، فهي عبادة لله تعالى وطاعة له قبل أن تكون حقا للزوج على زوجه.

مظاهر الحافظية والحفظ

1.حفظ بيت الزوجية في الغياب والحضور وحفظ المرأة نفسها.

2. طاعة الزوج في المعروف: إن من مستلزمات القوامة أن يطيع كل أفراد الأسرة القائم بشئونهم، حتى تنجح هذه القافلة في رحلتها وتصل إلى مقصدها وتعطي ثمارها. وطاعة أعضاء الأسرة لقائد سفينتها واجبة بالكتاب والسنة وإجماع الفقهاء.

مقاصد المسئوليات الأسرية

أجمل أهم مقاصد الشريعة الإسلامية للمسؤوليات الأسرية  فيما يأتي:

1.إقامة حدود الله: إن أهم مسؤولية للأسرة هي تطبيق شرع الله تعالى والحفاظ على حدوده، والسعي في مرضاته بتأسيس البيت المسلم.

فالأبوان مسؤولان أمام الله عن تنشئة الأبناء على تعاليم الإسلام ومبادئه وأخلاقه، يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ﴾ (التحريم: 6). وأي تقصير أو إخفاق في قيامهما بمسئوليتهما، ستكون له عواقب سيئة على سلوك الأبناء والبنات، ومن ثم على المجتمع في بنائه وفكره وأمنه.

ولذلك فإن أهم مقصد في بناء الأسرة هو إقامة حدود الله تعالى؛ أي تحقيق شرع الله في شئون الحياة الأسرية كلها، من المودة والرحمة والمعاشرة بالمعروف، أو الفراق بإحسان، والتعاون على الغاية التي من أجلها خلق الله الإنسان تحقيق العبودية الكاملة لله تعالى، والتعاون على حمل رسالة الإسلام لعالم متعطش.

2.المساكنة الزوجية والتكامل بين الزوجين: لقوله تبارك وتعالى ﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (الروم: 21) فسياق الآية الكريمة يدل على السكن الوجداني والاستقرار العاطفي، مما يؤكد معنى الاستقرار في السلوك والهدوء في الشعور، ويحقق الراحة والطمأنينة بأسمى معانيها، فكل من الزوجين يجد في صاحبه الهدوء عند القلق، والبشاشة عند الضيق. وإن من مقاصد الشريعة الإسلامية فيما يخص المسئوليات الأسرية، مقصد تحقيق السكن والمودة والرحمة في الأسرة، حتى لا تنحصر العلاقة بين الزوجين في صورة جسدية بحتة.

 3- الحفاظ على الأسرة وضمان استقرارها واستمرارها، والحفاظ على سلامة المجتمع باستقرار الأسرة.

4- حفظ الضروريات الخمس: 

أ-حفظ الدين: حفظ بإقامة شرع الله في البيت والتعاون على الطاعات وعلى تحمل مسئولية التبليغ، وبالمحافظة على الحقوق الزوجية.

ب-حفظ العِرض والنسل: بالزواج الشرعي والابتعاد عن مستنقعات الرذيلة.

وقد أشارت مدونة الأسرة إلى هذه الكلية في الفقرة 1 من المادة 51 إثر تفصيلها في الحقوق والواجبات المتبادلة بين الزوجين بلزوم العفة وصيانة العرض والنسل.

ت-حفظ النفس: بحفظ أنفس أفراد الأسرة من جانب الوجود وجانب العدم، فمن جانب الوجود له معنيين؛ حفظ باطن وآخر ظاهر، أما حفظ الباطن فيقصد حفظها بتنشئة أفرادها على أخلاق الإسلام وتعاليمه ومبادئه وعلى ما يقون به أنفسهم من النار ولا يدعوهم هملا فتأكلهم النار... أما حفظ الظاهر فيكمن في حفظها من متاعب الحياة ومشكلاتها بتوفير الضروريات وما تحتاج إليه الأسرة من مسكن وملبس ومطعم وتعليم وعلاج.

أما من جانب العدم فحين يكون الابن منعدما في الوجود، حيث حدد الشرع لحفظه باختيار الزوج الصالح والزوجة الصالحة، وبالزواج الشرعي والابتعاد عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ثم حفظه جنينا برعاية أمه الحامل به صحيا ونفسيا وعاطفيا، وتوفير حاجياتها، واجتناب كل ما يمكن أن يعود على الجنين بالضرر أو يؤثر على مسار نموه...

ث-حفظ العقل: وهو سعي الزوج والزوجة في تنمية عقول من تحت مسؤولياتهما من الأبناء، وتقوية ملكتهم، وحفظ عقولهم مما يتربص بهم؛ لأن أكبر قتل لأبنائنا هو أن نتركهم عرضة للجهل وموجات التغريب والانحلال.

ج-حفظ المال: فالرجل مسؤول عن الإنفاق على أسرته وتوفير العيش الكريم لها، والمرأة مسؤولة على تدبير النفقة والاقتصاد...

والجدير بالذكر أن مدونة الأسرة تحدثت عن بعض مقاصد المسؤوليات الأسرية في المادة 54 حيث نصت على تربية الطفل تربية إسلامية وتنشئته على قيم الخير والفضيلة والسلوك القويم، ثم حماية صحته بدءا من الحمل ثم الإرضاع والحضانة فاتخاذ جميع التدابير لنموه -وقاية وعلاجا-. ثم الحفاظ على النسل والعرض بإثبات هويته ونسبه لأبويه عن طريق الزواج الشرعي. ثم الحفاظ على عقله بالتعليم والتكوين حتى لا يكون عرضة لموجات التدنيس الخارجية... ثم حفظ المال بالنفقة على أمه حيث يتغذى منها في فترة حمله ورضاعه، ثم توفير سائر الضروريات...

وعليه، فإذا قام الزوجان بمسؤوليتهما على أكمل وجه وأحسنه حققا بذلك الغاية التعبدية التي خلق الله الناس من أجلها.

وإذا قامت المرأة بمسؤوليتها (الحفظ) على أحسن وجه حققت بذلك أهم المقاصد العامة للشريعة الإسلامية بحفظها للضروريات الخمس التي جمعها قوله سبحانه وتعالى في خطابه لنبيه وصفوة خلقه صلى الله عليه وسلم: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (التحريم: 12) والآية تحدد بنود بيعة النساء، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

أهم النتائج:

-إن أهم نتيجة يمكن أن نخرج بها من خلال هذا العرض هي عدالة الإسلام وتفرده المتميز في توزيع المسئوليات داخل الأسرة وفق الخصوصيات الفطرية والخِلقية والنفسية لكل عضو من أعضائها، ودعوته إلى التشاور والتفاهم والتعاون والتراحم والتوادد بين أصحاب هذه المسئوليات، ليبين للجميع أنها مسئوليات متكاملة -وليست منفصلة عن بعضها بعضا-، لها مقاصد سامية وغايات نبيلة ومنافع عاجلة وآجلة... ليبطل بهذا ما يثيره المغرضون -من المستشرقين- من شبهات حول شريعة الإسلام وأنها شريعة ذكورية تنتقص من المرأة وتهينها!  

-إننا بفهمنا لحقيقة المسؤوليات الأسرية ومقاصدهما العامة والضرورة الملحة لتطبيقهما في البيوت، نجعل من أُسرنا أسرا مؤمنة متماسكة من داخلها، حصينة في ذاتها، مثلها الأعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قائمة على الاستمساك بشرع الله، والصدق والإخلاص، والتعاون والوفاء، والمحبة والإيثار، والاستقامة والتسامح... ومن ثم تحقيق مجتمع مسلم يؤمن بسنن الله في الكون والحياة، ويحترم الفطرة ويرفض كل تغير يتنكب السنن الإلهية.

-كيان الأسرة ليس رجلا أو امرأة، بل كيان متكامل؛ للرجل مسؤوليته:(القوامة)، وللمرأة مسؤوليتها:(الحفظ)، إذا تحابا وتشاورا وتسامحا وتفاهما وتعاونا وأدى كل منهما رسالته في التربية والبناء حققا الاستقرار الأسري والمجتمعي، ونالا رضا الله تعالى يوم القيامة.

فهل يمكن للأسر المسلمة اليوم أن تلتزم بمسئولياتها والأمانة الملقاة على عاتقها قولا وعملا فتكون أنموذجا ساطعا بأنواره على المجتمع والعالم في ظل العولمة وطغيان المادية والتغيرات العالمية ؟

والحمد لله رب العالمين.



المنشورات ذات الصلة