قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ

لقد كان سيد الوجود وأكرم السابقين واللاحقين –صلى الله عليه وسلم- يحتفل بيوم مولده كل أسبوع بصيام يوم الاثنين؛ وللأمة أن تحتفل بيوم ميلاده كيف شاءت ما دام الاحتفال في دائرة الشرع، فمن فرح بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فرح به سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن لزم غرزه سعد في الدنيا والآخرة، ومن أحبه كان معه في الجنة.. ومن بحث عن السبل الموصلة إلى محبته الشريفة حقق الله له مراده وبلغه مبتغاه... والفرح بسيد الخلق وحبيب الحق صلى الله عليه وسلم والاحتفال بيوم مولده دليل من دلائل محبته.

قال الشيخ أبو القاسم البرُزلي –رحمه الله-: (ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم يعتنى به في الحواضر تعظيما له صلى الله عليه وسلم . وكان شأن أهل الخير إحياء ليلة المولد بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ومعونة آله ومساهمتهم والإكثار من الصدقات وأعمال البر وإغاثة الملهوف ، مع ما تستجلبه المسرة من مباح اللهو المرخص في مثله بنص السنة).

وقال العلامة المجتهد الإمام محمد الطاهر بن عاشور رحمه الله إذ قال: (دعاني إليه الاتساء بأفاضل الأمة الذين ألهمهم الله صرف الهمة إلى العناية بتعظيم اليوم الذي يوافق من كل عام يوم ميلاد محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام إذ كانوا قد عدوه عيدا ، ورموا برشيق نبل عقولهم بذلك مرمى بعيدا ، علمناه من قوله تعالى في التنويه بشهر رمضان: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن)[ البقرة: 185] ، فأي يوم أسعدُ من يوم أظهر الله فيه للعالم مولودا كان المنقذ من الضلالة ، أخرج به الناس من ظلمات الشرك ومناقص الجهالة ، وإذا كانت الأعياد الثابتة في الدين قد جاءت على مناسبة الفراغ من عبادات مشروعة ، فذكرى الواسطة العظمى في تبليغ ذلك يحق أن تكون مشيدة مرفوعة).

ونفهم من إشارة النبي صلى الله عليه وسلم إلى فضيلة شهر ربيع الأول بقوله للسائل الذي سأله عن صوم يوم الاثنين : « ذاك يومٌ ولدت فيه » تشريف لليوم ، وبدلالة التلازم هو تشريف للشهر الذي ولد فيه ككل أيضا ؛ فينبغي أن يحترم حق الاحترام ، ويفضل بما فضل الله به الأشهر الفاضلة . وهذا منها ؛ لقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الحسن : « أنا سيد ولد آدم ولا فخر » وقوله : « آدم فمن دونه تحت لوائي» .

قال ابن الحاج العبدري –رحمه الله-، وهو أحد المحاربين للبدع في المدخل: (وفضيلة الأزمنة والأمكنة بما خصها الله به من العبادات التي تفعل فيها ؛ لما قد عُلِمَ أن الأمكنة والأزمنة لا تشرف لذاتها ، وإنما يحصل لها التشريف بما خصت به من المعاني. فانظر إلى ما خص الله به هذا الشهر الشريف ويوم الاثنين؛ ألا ترى أن صوم هذا اليوم فيه فضل عظيم ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ولد فيه؟ فعلى هذا ينبغي إذا دخل هذا الشهر الكريم أن يكرم ويعظم ويحترم الاحترام اللائق به اتباعا له صلى الله عليه وسلم في كونه كان يخص الأوقات الفاضلة بزيادة فعل البر فيها وكثرة الخيرات).

وإذا كان سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم قد ذم البدع فقال: « كل بدعة ضلالة »، فإنه قد أثنى على من أحدث السنن الحسنة وشجع فقال: (من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة)؛ وقد حسن الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني -رحمه الله- سنة الاحتفال وخرج ذلك (على أصل ثابت وهو ما ثبت في الصحيحين من أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسألهم فقالوا هو يوم أغرق الله فيه فرعون ونجى موسى ، فنحن نصومه شكرا لله تعالى . قال : فيستفاد منه فعل الشكر لله على ما من به في يوم معين من إسداء نعمة أو دفع نقمة ويعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سنة ، والشكر لله يحصل بأنواع العبادات كالسجود والصيام والصدقة والتلاوة، وأي نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبي نبي الرحمة في ذلك اليوم ، وعلى هذا فينبغي أن يتحرى اليوم بعينه حتى يطابق قصة موسى في يوم عاشوراء).

وثبت أن الكثير من العلماء وعلى رأسهم العلامة أبا الطيب محمد السبتي المالكي القوصي ـ وهو أحد العلماء العاملين ـ كان يمر على الكتاتيب القرآنية في اليوم الذي ولد فيه المصطفى صلى الله عليه وسلم ، فيقول : يا فقيه ! هذا يوم سرور، اصرف الصبيان، فيصرفهم . وهذا دليل على تقريره وعدم إنكاره وهو من هو جلالة قدر وتمكن من العلوم مع الورع ، وقد أخذ عنه أبو حيان صاحب البحر المحيط وغيره.

وقد جاء في كتاب: «الباعث على إنكار البدع» للشيخ عبد الرحمن بن إسماعيل أبو شامة: أن البدع الحسنة متفق على جواز فعلها والاستحباب لها ورجاء الثواب لمن حسنت نيته فيها ،وهي كالمبتدع موافق لقواعد الشريعة غير مخالف لشيء منها ولا يلزم من فعله محذور شرعي،وذلك نحو بناء المنابر، والربط، والمدارس، وخانات السبيل، وغير ذلك من أنواع البر التي لم تعد في الصدر الأول ، فإنه موافق لما جاءت به الشريعة من اصطناع المعروف والمعاونة على البر والتقوى،ومن أحسن ما ابتدع في زماننا من هذا القبيل ؛ ما كان يفعل بمدينة إربل ، جبرها الله تعالى، كل عام في اليوم الموافق ليوم مولد النبي صلى الله عليه وسلم، من الصدقات والمعروف وإظهار الزينة والسرور فإن ذلك مع ما فيه من الإحسان إلى الفقراء ، مشعر بمحبة النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمه وجلالته في قلب فاعله ، وشكرا لله تعالى على ما من به من إيجاد رسوله الذي أرسله رحمة للعالمين صلى الله عليه وسلم وعلى جميع المرسلين .

  وقال الإمام السيوطي-رحمه الله- في: الحاوي للفتاوي باب:"حسن المقصد في عمل المولد" قال:أصل عمل المولد الذي هو اجتماع الناس وقراءة ما تيسر من القرآن ورواية الأخبار الواردة في مبدأ أمر النبي صلى الله عليه وسلم وما وقع في مولده من الآيات، ثم يمد لهم سماط يأكلونه وينصرفون من غير زيادة على ذلك، هو من البدع الحسنة التي يثاب عليها صاحبها؛ لما فيه من تعظيم قدر النبي صلى الله عليه وسلم، وإظهار الفرح والاستبشار بمولده الشريف".

ألا ترى إلى قول الإمام البخاري رحمه الله {كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير وكان أجود ما يكون في رمضان} فنمتثل تعظيم الأوقات الفاضلة بما امتثله عليه الصلاة والسلام على قدر استطاعتنا.

وممن أجازه أيضا الإمام المحدث الفقيه أبو شامة شيخ الإمام النووي-رحمهما الله-، قال في رسالته : (ومن أحسن ما ابتدع في زماننا ما يُفعل كل عام في اليوم الموافق لمولده صلى الله عليه وآله وسلم من الصدقات، والمعروف، وإظهار الزينة والسرور، فإن ذلك مشعرٌ بمحبته صلى الله عليه وآله وسلم وتعظيمه في قلب فاعل ذلك وشكراً لله تعالى على ما منّ به من إيجاد رسوله الذي أرسله رحمة للعالمين).

وأجازه الإمام العلاَّمة الشّيخ محمد بن عمر بحرق الحضرمي الشافعي (ت:930 هـ) –رحمه الله- في كتابه (حدائق الأنوار ومطالع الأسرار في سيرة النبي المختار) قال: (فحقيقٌ بيومٍ كانَ فيه وجودُ المصطفى صلى الله عليه وسلم أَنْ يُتَّخذَ عيدًا، وخَليقٌ بوقتٍ أَسفرتْ فيه غُرَّتُهُ أن يُعقَد طالِعًا سعيدًا، فاتَّقوا اللهَ عبادَ الله، واحذروا عواقبَ الذُّنوب، وتقرَّبوا إلى الله تعالى بتعظيمِ شأن هذا النَّبيِّ المحبوب، واعرِفوا حُرمتَهُ عندَ علاّم الغيوب، (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ).

وقد أكد العلامة يوسف القرضاوى -رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين- أن هناك بعض الناس يعتبرون أن الاحتفال بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم بدعة في الدين وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.

وقال: "هذا ليس بصحيح على إطلاقه، إنما الذي ننكره في هذه الأشياء الاحتفالات التي تخالطها المنكرات، وتخالطها مخالفات شرعية وأشياء ما أنزل الله بها من سلطان، كما يحدث في بعض البلاد في المولد النبوي.

وأضاف: إذا انتهزنا هذه الفرصة للتذكير بسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبشخصية هذا النبي العظيم، وبرسالته العامة الخالدة التي جعلها الله رحمة للعالمين، فأي بدعة في هذا وأية ضلالة ؟!

ونقل الموقع الرسمي عنه قوله: إننا حينما نتحدث عن هذه الأحداث نذكر الناس بنعمة عظيمة، والتذكير بالنعم مشروع ومحمود ومطلوب، والله تعالى أمرنا بذلك في كتابه (يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها وكان الله بما تعملون بصيرًا إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا)[سورة الأحزاب:9-10] يذكر بغزوة الخندق أو غزوة الأحزاب حينما غزت قريش وغطفان وأحابيشهما النبي عليه الصلاة والسلام والمسلمين في عقر دارهم، وأحاطوا بالمدينة إحاطة السوار بالمعصم، وأرادوا إبادة خضراء المسلمين واستئصال شأفتهم، وأنقذهم الله من هذه الورطة، وأرسل عليهم ريحاً وجنوداً لم يرها الناس من الملائكة، يذكرهم الله بهذا، اذكروا لا تنسوا هذه الأشياء، معناها أنه يجب علينا أن نذكر هذه النعم ولا ننساها.

وأضاف وفي آية أخرى يقول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيدهم عنكم واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون)[سورة المائدة:11] يذكرهم بما كان يهود بني قينقاع قد عزموا عليه أن يغتالوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومكروا مكرهم وكادوا كيدهم وكان مكر الله أقوى منهم وأسرع، (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين).

** وخلاصة المرام في تحقيق المقام:

ومتى عرفنا أن المولد استحسنه العلماء والمسلمون منذ قرون خلت وجرى به العمل في كل صقع حتى عصرنا، انطبق عليه الحديث المرفوع الذي رواه سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن» [أخرجه الإمام أحمد والطبراني والطيالسي]؛ وقوله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم:«من سن في الإسلام سنة حسنة فعمل بها بعده كتب له مثل أجر من عمل بها ولا ينقص من أجورهم شيء»[صحيح الإمام مسلم].

هذا وقد اختص الله تعالى حبيبه ونبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بأشرف الخصائص، بما منحه من التكريم بمقام النبوة، وعصمه عن الرذائل والنقائص والزلل، وأتاه الوسيلة والدرجة الرفيعة في مقامي الدنيا والآخرة ؛ أعظِم بها من نعمة فاخرة، صلى الله عليه وسلم صلاةً ننتفع بها في كل شدة، وندخرها في المعاد أعظم عُدة، فلابد لنا من المبادرة جميعا إلى الاهتداء بهديه، والتأسي به في أخلاقه ومعاملاته وعباداته وحياته، قال الله جل وعلا: (من يطع الرسول فقد أطاع الله)[ النساء :80]، وقال عز من قائل: (لقد كان لكم في رسول الله إسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر)[ الأحزاب:21].

ومن أعظم المقاصد في الاحتفال بمولد سيد الخلق وحبيب الحق صلى الله عليه وسلم ، هو التذكير بخصوصيات هذا النبي العظيم والرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- الذي جاء فأخرج قومه من الظلمات إلى النور ، ومن الغواية إلى الهداية ...

نحتفل بسيدنا وحبيبنا محمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحتفي ونفرح ونسر به وبمحبته وسنته الشريفة المهداة وسيرته الخالدة وفضل الله علينا حيث أرسل إلينا خير رسله في كل الأوقات ويزداد سرورنا به في يوم مولده الأغر؛ لأنه اليوم الذي أشرق فيه نور الله على الأرض والناس في ظلمات، يوم ميلاد سيدنا النبي محمد صلى الله عليه وسلم منقذ البشرية ومخرجها من الظلمات إلى النور، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ومن الطائفية والنعرات القبلية إلى الأخوة والمحبة، ومن الخلاف والشقاق إلى التعاون والتفاهم... نتذكر نعمة الله الكبرى علينا، ونذكر بها: (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) (الذاريات: 55)، ونذكر بأيام الله ومولده صلى الله عليه وسلم من أيام الله، والله تعالى يقول: (وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ) (سورة إبراهيم:5)، ونفرح برحمة الله: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (سورة يونس:58).وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هو رحمة الله للناس جميعا: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (سورة الأنبياء:107).

ولا يفوتني هنا قبل الختام، أن أتساءل بعقلية الأصولي : ما دلالة قول سيدنا عيسى عليه السلام، {وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً }[مريم : 33]؟ وقد يقول قائل إنه قول رسول كريم، وأقول إن العبثية لا شأن لها في سنن الله ولا في تشريعه. وقول النبي له دلالته، ومكانته التشريعية، فلم يأت عبثا.

ثم ما بالنا نقف عند قول رسول عليه السلام فلنرفع الأمر درجة لنستمع إلى الله جل علاه وهو يمجد {وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً} [مريم : 15] .

والأصولي ينقب عن دلالة الأمر الذي يعظمه الله جل شأنه، ومكانته التشريعية ليجد الأصوليون قد أجادوا في بيان دلالة هذا الأمر وأوضحوا.

فالملاحظ أن الآيتين جاءت لتفخيم الحدث وتعظيمه، وهو ما يفيد الأمر حسب ما جاء به سلطان العلماء العز بن عبد السلام -رحمه الله- حيث يقول في كتابه الإمام في بيان أدلة الأحكام :"وأن تفخيم الفعل ومدحه ترغيب فيه وحث على فعله"اهـ.

وقال أيضا: "وتعظيم الفعل إن كان في سياق مدح دل على الأمر".

من هذه الضوابط أستنتج بأن العناية بذكرى الميلاد العظيم حدث مهم ينبغي للمرء تعظيمه بأجل الأعمال كما فعل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لما سئل عن صوم يوم الاثنين فقال: [ذلك يوم ولدت فيه، ويوم بعثت فيه، أو أنزل علي فيه] (صحيح رواه أبو قتادة الأنصاري-تاريخ الإمام الطبري).

أما القول بأن الصحابة -رضي الله عنهم- لم يحتفلوا بميلاد سيدنا وحبيبنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فجوابه أن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم تفرغوا بعد وفاة سيد الوجود صلى الله عليه وسلم لنشر الإسلام في ربوع الأرض كلها ومحاربة المرتدين والخارجين والمارقين ومدعي النبوة، لذلك لم يكن لديهم الوقت الكافي للاحتفال به رغم أنه كان احتفالا واحتفاء حيا في قلوبهم وضمائرهم فشغلهم الشاغل هو إرجاع من خرج من الدين إليه، ومدافعة المعتدين عليه.. وبقي الأمر كذلك حتى استقرت الأوضاع وانتشر الأمن والأمان ودخل الناس في دين الله أفواجا، فكانت الحاجة الماسة إلى تذكيرهم بأيام الله ورحمة الله عليهم حيث أرسل إليهم خير رسله وأحب خليقته إليه، والتعريف به وبسيرته العطرة في هذه الذكرى العظيمة... فالترك لا يدل على أن الأمر بدعة  "فالأصل في الأشياء الإباحة حتى يرد الدليل بالنهي" وليس كل ما تركه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعة فهذا جهل بالدين وبتعاليمه فانتبه!

 فمحبة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقتصر على التمسك ببعض ظواهر النصوص فقط! واعتبار النبي صلى الله عليه وسلم ناقل وحي "ساعي البريد" وانتهى الأمر! والانشغال ببعض جوانب هذه الرسالة وشكلها -دون الاهتمام بروحها وجوهرها- ونسيان المرسل والمرسل إليه...!!

فالمطلوب شرعا واتباعا وتأسيا ومحبة التمسك بسنته صلى الله عليه وسلم، والتلبس بسيرته العطرة، والتأسي به في أخلاقه ورفقه ورحمته وعدله ووسطيته وتيسيره وعبادته ومعاملته ودعوته وتربيته... والسير على منهاجه... والتعلق بشخصه الكريم العظيم، والسرور به والفرح بشروق شمسه وظهور نوره، واللهج بذكره والصلاة عليه، والفناء في حبه حتى تهيم الأرواح في حبه فتبعث فيها إرادة الانبعاث من جديد...

د.رشيد كهوس



المنشورات ذات الصلة