شرع في بناء جامعة القرويين في رمضان عام 245 من هجرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وفق 30 حزيران عام 859 من تاريخ النصارى، وتطوعت ببنائه من مالها الذي ورثته عن والدها وعن زوجها السيدة التقية فاطمة أم البنين بنت محمد الفهرية القيروانية رحمها الله، من فاضلات فاس، ويذكر مؤرخ المغرب الدكتور عبد الهادي التازي أن القرويين شرع في حفر أساسه والأخذ في أمر بنائه الأول بمطالعة العاهل الإدريسي يحيى الأول-رحمه الله-.

في حين ظلت أم البنين صائمة قائمة مدة بنائها رجاء أن يبقى مسجدها عامرا بالعبادة والمعرفة، وقد استجاب الله دعاءها فبقي ذلك المقام الذي بنته جامعة ومعهدا دينيا وعلميا مليئا بالذكر والعلم مزودا العالم الإسلامي بشيوخ وأئمة وعلماء كبار.

لقد كانت جامعة القرويين منارَ العلم والعرفان في شتى ميادين المعرفة، كما كانت حصنا حصينا للعلوم الإسلامية واللغوية والإنسانية، تخرج منها أجيال من العلماء والفقهاء والمفكرين الذين أثروا في الثقافة الإسلامية والعربية في مختلف حقولها المعرفية بإنتاجاتهم الفكرية وعطاءاتهم العلمية وإسهاماتهم البحثية.

لقد غدت جامعة القرويين بعد فترة يسيرة من تأسيسها القلب النابض للمغرب الأقصى، وعقلـه المفكر، وعينه المبصرة كما وصفهـا قاضيها ابن أبي الصبر، ومجمع علمائه وفقهائه، ومصدر نبوغه وشهرته، وشرايين حياته، ومظهر إشعاعه ومصدر خيره وبركته، مفخـرة الضاد، ومقصد طلاب العلم والعباد.

وهكذا جمعت جامعة القرويين بين مكانتي الجامع والجامعـة وقرنت بين الشريعة والحكمة، وظلت مسجد القانتين، ومثابة العابديـن، ومدرسة العلمـاء والمتعلمين، يعتكف فيه الصالحــون، ويأوي إليه أئمــة الهدى والإرشاد، ورجـال الثقافة وطلاب المعرفة، ويلتقي في رحابه أعـلام القراءة والتفسير والحديث والسيرة النبوية والفقه والأصول والتربية والتصوف والحكمة والتاريخ والطب...

 إنها بحق أهــم جامعة وأقدمها، كما اعتبرها المؤرخ (روم لاندو)، وأقدم مدرسـة كلية علمية في العالم، كما وصفها البرفيسور (كريستوفينش).

 ويؤكد الشيخ محمد المنتصر بالله الكتاني-رحمه الله-، في كتابه: "فاس: عاصمة الأدارسة" أن جامعة القرويين تعد أقدم جامعة في العالم، وقد سبقت الزيتونة بتونس والأزهر بمصر، كما أنها تعد أقدم من جامعات أوروبا بمائتي عام إلا تسع سنين: فقد "تأسست أول جامعة في أوروبا وهي جامعة ساليرن سنة 1050 ميلادية في إيطاليا، ثم أصبحت معروفة بمدرسة نابولي. ثم تأسست جامعة بولونيا للحقوق. ثم جامعة باريس، وقد اعترف بها لويس السابع سنة 1180. ثم تأسست جامعة بادوا سنة1222 م، ثم جامعة أكسفورد عام1249 م، ثم جامعة كمبدرج عام 1284 وجامعة سالامانكا في إسبانيا سنة1243م.

قال "دلفان" في كتابه "حول فاس وجامعتها والتعليم العالي بها" المطبوع سنة1889 أن: "فاس هي دار العلم وأن القرويين هي أول مدرسة في الدنيا".

وقال (روم لاندو) على ريادتها وعالميتها: «وبها كان العلماء منذ حوالـي ألف عام يعكفون على البحوث الدينية والمناظرات الفلسفية، التي قـد تتجاوز دقتهـا إدراك فكرنـا الغربي، كمـا كان المثقفون يدرسون بها التاريخ والعلوم والطب  والرياضيات، ويشرحون أرسطو وغيره من مفكـري الإغريق».

وتفرع عن هذه الجامعة العريقة والمؤسسة التعليمية الأثرية التاريخية بعد قرون من تأسيسها خمس كليات:

1-كلية أصول الدين بتطوان (تأسست في 12 رمضان 1382هـ / فبراير 1963م).

2-كلية الشريعة والقانون بفاس (12 رمضان 1382هـ / فبراير 1963م).

3-كلية اللغة العربية بمراكش (12رمضان 1382هـ / 06 فبراير 1963م).