المدينة الفاضلة: للإمام محمد الطاهر بن عاشور

المدينة الفاضلة ([1])

للشيخ العلامة المحقق محمد الطاهر بن عاشور-رحمه الله-([2])

 

لم تزل أمنية كل مصلح قيضه الله للبشر لأن يهدي الناس إلى تكوين ما يسمى في عُرْف الحكماء بالمدينة الفاضلة، وهم إن اختلفت عندهم الأسماء لاختلاف أساليب التعبير في اللغات لا نجد بينهم اختلافاً في أن مسمى الذي يدعون إليه هو مسمى ما عناه الحكماء المدينة الفاضلة: مجتمع من الناس هو على أكمل حال يكون عليها المجتمع البشري في الرأي والعمل؛ ذلك أن الإنسان مدنيُّ بالطبع كما هو مشهور على الألسنة، وقد علل كثير من الحكماء كون الإنسان مدنياً بالطبع.

وأنا أختصره وأزيد بياناً: فمعنى كونه مدنيَّاً بالطبع أنه بطبع خلقته مجعول لأن يكون مدنياً، لأنه خلق بحيث لا يستقل وحده بأمر نفسه، بل هو محتاج إلى مشاركة غيره من بني جنسه؛ لظهور كثرة حاجاته الناشئة عن ضعفه الجبلي وتفكيره؛ فالضعف الجبلي جعله محتاجاً إلى مكملات يصير بها قويَّاً على مصادمة الكوارث والمهالك، والتفكير جعله متطلعاً إلى أن يعيش كما يحب لا كما يلقى، وذلك بالمُقام في حيث يريد دون انزواء أمام الحوادث المغتالة، وبتحصيل ما لا يستطيع نواله مع فرط رغبته؛ فزاد بالتفكير ضعفه جلاء لأنه يطمح به إلى تمنيات وفروض لا يستطيع تحصيلها لعجزه، على حد قول أبي الطيب:

وإذا كانت النفوس كباراً ** تعبت في مرادها الأجسام

فاحتاج أفراد البشر إلى معونة بعضهم بعضاً؛ لتصل لهم من تفكيرهم وسعيهم قوةُ التعاضد والتوازر، فيبذل كلَّما يستطيع بذله من كده أو من كسبه، عسى أن يحصل من مجموع سعيهم تحصيل معظم أماني الجميع، وبذلك التفكير والتعاضد امتاز البشر عن أصناف الحيوان.

لولا العقول لكان أدنى ضيغم ** أدنى إلى شرف من الإنسان

وقد صار الإنسان بموجب هذا الاحتياج إلى التعاون والتكاتف مضطراً إلى اقتراب بعض أفراده من بعض، وإلى التكثر من هؤلاء المقتربين والمجتمعين، وإقامة بعضهم حيال بعض؛ ليجد كلٌّ عن احتياجه مَنْ يسارع إلى سد خلته؛ فاضطر إلى التجمع والإقامة، وهو المعبر عنه بالتمدن؛ المأخوذ من لفظ المدينة، الذي هو مشتق من فعلٍ مُماتٍ في اللغة العربية وهو فعل مدَن.

ثم إن هذا الخُلق الجِبِلِّي من شأنه أن يتدرج بهم في سلم الارتقاء، ولا يزال يغريهم نوال شيء بالتطلع إلى ما فوقه.

ثم إن هذا التمدن يفضي بالناس في غالب الأحوال إلى توارد الرغبات على شيء يكون الموجود منه لا يفي بإرضاء الجميع، أو إلى اختلافهم في وسائل السعي إلى ما يدفع عنهم ضرراً، أو يجلب إليهم نفعاً، فكانوا في اجتماعهم ذلك مَظِنَّةَ حدوثِ الخلاف بينهم، وكان ذلك الخلاف من شأنه أن يهيِّج ما فيهم من قوة الغضب، ويحمل بعضهم على مقارعة بعض؛ فيصير بعضهم سبب إتلاف مصالح بعض، وإفساد ما أصلحوه في تجمعهم بعد أن كان تجمعهم سبب تحصيل تلك المصالح؛ فيؤول اجتماعهم في الإهلاك والضلال على أن يكون عائداً على مقصدهم الأول بالإبطال؛ فلذلك لم يزل الساعون إلى إصلاحهم من الأنبياء والحكماء يدعونهم إلى الاستقامة، وينبهونهم على أن مراد الله منهم أن يكون مجتمعهم كاملاً، ومدينتهم فاضلة؛ ليكون لهم من تقويم أحوالهم ما يلائم أحسن تقويم خلقوا عليه، الدال على أن الله _ تعالى _ حين خلقهم على أحسن تقويم قد أراد أن يكونوا متصفين بكل وصف قويم.

وإنما يتضح كمال هذا التمدن إذا كان مظهر هؤلاء المتحدين كاملاً، ولا يكمل مظهرهم إلا بكمال أفرادهم، فإذا كملت أفرادهم كمل المجتمع المتركب منهم؛ لأن المركب من الصالحِ صالحٌ.

فليس المراد بالمدينة الفاضلة ما لولاه لهلك النوع؛ إذ قد ينتظم حال النوع انتظاماً ما _ أي في الجملة _ بمجرد صلاح قليل؛ فيسلم من الهلاك، ويعيش عيشاً بسيطاً، ولكنه لا يكون على حالة ملائمة لحال التقويم الجبلي الذي خلق عليه.

أودع خالق النوع _ سبحانه _ في جِبِلَّة أفراده عقلاً يهديهم إلى إيجاد وسائل قليلة لحفظ النوع كما قدمنا، ولكنه لما علم أن ذلك غير كاف في العروج بهم إلى معارج الكمال التي أُعدوا لها، ولا في الخروج عن مآزق قد يلقون أنفسهم فيها _ قيض الله دعاة يدعونهم إلى الهدى، ويحذرونهم مواقع الردى، وهم العارفون؛ فمنهم أنبياء تولى الحقُّ إرشادَهم إلى ما فيه صلاح قومهم، ومنهم حكماء خصهم الله بعقول تفوق عقول عامة أقوامهم، وخص الفريقين بجلائل الصفات النافعة في إيصال الإصلاح إلى البشر غير مشوب ولا مؤرب([3])؛ فتظافر الفريقان وعملا على الأخذ بيد البشر في مزالق الضلال، ومهاوي السقوط، وانتشاله من مخالب الهلاك، وجعل بمقدار تخلقهم بأخلاق الكمال وجريهم على طريق الهدى مقدار عروجهم في المعالي في عالم الخلود الذي لا فناء يعتريه، ولا حقائق تقلب فيه.

وجماع هذا الصلاح هو صلاح الاعتقاد، وصلاح العمل، وقد جمع ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في حديث مسلم عن أبي عمرة الثقفي، قال: (قلت يا رسول الله قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً غيرك، قال قل آمنت بالله ثم استقم).

ابتدأ أول دعاة الصلاح، وهو أول رسول أُرسل إلى البشر، نوح _ صلى الله عليه وسلم _ دعوته بتطهير العقيدة، ووجوب التوبة من الشرك، ولم يزدهم على ذلك، فعلمنا أن الله ابتدأ البشر بالترقي به إلى أُولى درجات الصلاح.

وكذلك جاء إبراهيم قومه بالدعوة إلى التوحيد وإعلانه، وإلى مكارم الأخلاق، ورحل في بلاد الله يبث دعوته الصالحة بين البشر.

ثم جاءت الرسل تترى، ما منهم إلا يأمر بالإصلاح العام، فقد قال هود لقومه [وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ (130) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (131)] الشعراء.

وقال صالح لثمود [إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ] هود: 88.

وقال شعيب لأهل مدين [وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا] الأعراف: 56.

وقرون بين ذلك كثير [مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ] غافر: 78.

وهؤلاء كلهم قد اقتصرت دعوتهم على تأسيس جماعة فاضلة، ثم اتسعت الدعوة في شريعة موسى اتساعاً يؤذن باقتراب استعداد البشر إلى تلقي التهذيب الكامل؛ فأخذ في تخطيط ما يصلح لأن يكون تأسيس مدينة فاضلة، ولكنه توفي ولم يقض إلا إصلاح الجماعة، إلا أنها كانت جماعة كبيرة، ثم كانت بعده أشكال كثيرة في سياسة بني إسرائيل؛ فكانت أمة فيها فضلاء كثيرون، وفيها دون ذلك.

وجاء دعاة كثيرون مختلطون: أنبياء وحكماء، مثل أنبياء بني إسرائيل حتى عيسى، ومثل لقمان، وذي القرنين وتبَّع، وهرمس الأكبر الحكيم المصري الذي قيل: إنه النبي إدريس، وبياس الحكيم اليوناني، وسولون المشرِّع اليوناني، ثم سقراط، وأفلاطون.

قال الحكيم الجليل يحيى السهروردي في حكمة الإشراق، وقطب الدين الشيرازي في شرحه([4]) بعد أن ذكر أساتذة أرسطاليس: "ومن جملتهم جماعة من أهل السفارة _ أي أهل الكتب السماوية وإصلاح الناس _ مثل هرمس _ أي إدريس _ واسقليبوس _ خادم هرمس، وهو أبو الأطباء([5]) وغيرهم _ وإنما سمي الثلاثة لأنهم من عظماء الأنبياء الجامعين بين الفضيلة النبوية، والحكمة الفلسفية" اهـ.

وهؤلاء الحكماء قد دعوا، وسعوا إلى إيجاد المدينة الفاضلة، وكان أكثرهم تنويهاً بها هو أفلاطون.

فقد رام سولون([6]) الحكيم إيجاد المدينة الفاضلة بما شرع لأهل أثينا من قوانين العدل، ونظام الشورى؛ وقال بيتاقوس الحكيم: "إذا أراد الملك ضبط المملكة وجب أن يكون هو وخاصته وجنوده مطيعين للقانون مثل سائر الرعية".

ورام أفلاطون إيجاد المدينة الفاضلة بضبط قواعد تكوينها.

وفيهم من كان انصرافه إلى إيجاد المدينة الفاضلة أكثر من انصرافه إلى إعداد أمة فاضلة لها، مثل سولون، ومن كان انصرافهم إلى إصلاح النفوس لإعداد أمة فاضلة للمدينة الفاضلة، مثل سقراط وأفلاطون.

كانت شكايات من الرسل والحكماء من سوء تلقي أقوامهم لنصيحتهم أوضح دليل على أن المدينة الفاضلة لم تلتئم، فما من الرسل السالفين إلا قائل [إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ] الشعراء: 117، أو قائل [لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ] الأعراف: 79، أو قائل [فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِي مِنْ الْمُؤْمِنِينَ] الشعراء: 118، أو قائل [فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ] المائدة: 25.

وربما فارق كثير منهم أوطانهم، إذ أبوا أن يروا فيها الفساد، فقد قال إبراهيم [إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ] الصافات: 99، وقال لوط [إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ] العنكبوت: 26، وخرج الحكيم سولون من أثينا بعد أن أقام لها الشرائع والعدل، والحكومة الشورية، فأفسد أهلها ذلك، وولوا عليهم الملك (بيزاستراتث) وأخذ (يوجينوس) الحكيم مصباحاً في يده في الصباح، وجعل يجول به في شوارع أثينا كأنه يفتش على شيء، فإذا سئل: على ماذا تفتش؟ قال: لعلي أظفر برجل.

بقيت المدينة الفاضلة مرتسمة في خيال الحكماء، فلم يزالوا يدعون، ويبتغون تأسيسها، ولكنهم لم يحصلوا على طِلْبَتِهم المنشودة؛ ذلك أن المدينة الفاضلة يلزم أن يكون رئيسها حكيماً صالحاً عارفاً، وأن يكون أصحابه أهلُ الحل والعقد فيها حكماءَ مثلَ رئيسهم، وأن يكون سكانها أفاضلَ قابلين لسياسة الحكيم مطيعين له، غير مفسدين لما يصلحه.

وقد كادت مدينة أثينا في زمن سولون أن تكون المدينة الفاضلة، وقد كان سولون يقول: "المملكة البالغة غاية الكمال هي التي لا يقبل أهلها الذل والظلم، وينتصرون للمظلوم كما ينتصرون لأنفسهم".

إلا أنها لم تحصل على عامة مطيعين لرؤسائهم إلا في فترات قليلة من الزمن؛ فإن سولون مؤسس شرائع أثينا، ومنظم حكومتها الجمهورية لم يلبث أن فارق أثينا، وسكن في بلاد مصر، وأبى الرجوع إلى بلده مع شدة رغبة الملك (بيزاستراتث) في رجوعه، والانتفاع بحكمته، ودارت بينهما في ذلك مراسلة لها شأنها في التاريخ.

وكذلك أوشكت أن تكون مقدونية مدينة فاضلة في زمن مُلْك اسكندر ابن فيليبوس، ووزارة أرسطاليس له، غير أن ذلك لم يخلص لهما، ولم يلبث أن غضب ارسطاليس على الاسكندر، وفارقه فراقاً لا لقاء بعده.

وقد اعترف أفلاطون بعده بقرون بأن ليس في نظام الجمهورية في أثينا في زمانه ما يجعلها ملائمة للحكمة والفضيلة التامة.

واضطرب العالم عقب ذلك اضطراباتٍ عامةً في كل مكان؛ فلم يتأتَ إيجادُ المدينة الفاضلة.

كان الرسلُ _ كما قلنا _ أولَ المصلحين للبشر، وأعظمَ المصلحين، وكان الحكماء من أتباع الرسل ومن غيرهم يظهرون في فترات من التاريخ يكملون الإصلاح، ويبرهنون عليه، فرجعت محاولة إيجاد ما يسمى بالمدينة الفاضلة إلى دعوة الرسل؛ فلا جرم أن يكون أعظمُ الرسل الذي جاء بالدين الخالص القيم، والذي هو المقصدُ من الإصلاح الأخيرِ للبشر [إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ] آل عمران: 19، والذي كانت الأديانُ الماضيةُ معه بنسبة مقدمة الجيش للجيش، [وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ] الأنعام: 92، والذي كانت دعوتُه عامةً لسائر البشر، والذي كان الرسول الجائي به هو أفضل الرسل _ لا جرم أن يكون ذلك الرسولُ هو الذي ادُّخر له تأسيس المدينة الفاضلة في جملة ما ادُّخر له من الفضائل الجمة.

جاء محمد صلى الله عليه وسلم يدعو إلى إصلاح البشر قاطبة، وشملت دعوتُه علاج إصلاح الأفراد وإصلاح المجموع؛ فكان مرماها إيجادَ المدينة الفاضلة، وإعدادَ أمةٍ فاضلة لها.

ولم تشتمل دعوة رسول ممن جاء قبله على ما اشتملت عليه دعوته من أصول نظام الاجتماع وتفاصيله؛ فبقي بمكة ثلاث عشرة سنة يدعو إلى الدين، ويصلح نفوس الذين آمنوا به والتفوا حوله، فكانت في مكة جماعة فاضلة هي زَرْع المدينة الفاضلة.

فلما تهيأت للدعوة ساعةُ الانتشار، وتردد صداها في معظم بلاد العرب، وأصغت لها آذان السامعين، وانفتحت أعين الناس إليها _ ألهم اللهُ الأوسَ والخزرج أهلَ مدينة يثرب إلى الدخول في الإسلام إلهاماً خارقاً للعادة؛ فأصبح سكان تلك المدينة كلهم مسلمين، وبذلوا أنفسهم وأموالهم ووطنهم لنصر هذا الدين؛ فأذن الله لرسوله وللمسلمين معه في الهجرة إلى هذه المدينة؛ فانتقل إليها الرسول صلى الله عليه وسلم بمن معه من المسلمين بمكة، ودعا اسمها (طيبة) وخصها الله _تعالى_ بشرف أن تكون محققةً أمنيةَ المدينةِ الفاضلة.

ومن العجب أن الله ألهم الناس إلى أن يدعوا هذه البلدة باسم (المدينة) وأنساهم اسم يثرب واسم طيبة أيضاً؛ ليكون ما جرى على الألسنة رمزاً إلهياً لطيفاً إلى أنها المدينة المقصودة، والضالة المنشودة.

دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة (يثرب) ودخلها خمسون رجلاً من أصحابه المهاجرين، وهم المسلمون الأولون، وكانت المدينة تحتوي على زهاء خمسة آلاف رجل من الأوس والخزرج وأحلافهم، كانوا مسلمين إلا قليلاً منهم لا يبلغون مائة رجل.

فتلك مدينة سكانها أفاضلُ أهلِ عصرهم، قد تطهرت نفوسهم بإقبالهم على الخير، والتزكية بمحض الاختيار.

إن قوام المدينة الفاضلة يتقوَّم من صلاح الأفراد في خاصتهم، وصلاح المجتمع المتقوِّم منهم في حال معاملتهم؛ ومن سهولة طباعهم مع المسالمين، ومن الشدة والذب عن حوزتهم أمام العدو، ومن سياسة تدبير جماعتهم؛ فإذا تقومت هاتِهِ الأصولُ في المدينة حصل فيها الأمن، وهو جالب جميع الخيرات لكل أهل المدينة، وجاعلها أفضل مدينة.

لا جرم أن المدينة كالجسد؛ فكما يتركب الجسد من الأعضاء والجوارح فكذلك تتركب المدينةُ من آحاد الناس، وإن سلامة المدينة وفضلها كصحة المزاج؛ فكما لا يصح المزاج إلا بسلامة جميع أجزائه كذلك لا تصلح المدينة إلا بصلاح جميع أفرادها، وكما أن بعض أجزاء الجسم أجدر بكمال السلامة ودوامها من بعض الأجزاء التي قد تشتكي، فتزول شكواها سريعاً عند سلامة البقية، وذلك البعض هو الأعضاء الرئيسية كالقلب والدماغ والرئة _ كذلك المدينة تتطلب صلاح ولاة أمورها أكثر مما تطلب صلاح عامتها، وإن صلاح ولاة الأمور يعود بصلاح العامة إذا عرض لها فسادٌ ما بخلاف العكس، كما تعود صحة الأعضاء الرئيسة بسلامة الجوارح والأعضاء إذا اشتكت وجعاً بخلاف العكس؛ فكان صلاح المدينة يتطلب صلاح ولاة الأمور، وصلاح أعوانهم، وصلاح عامة الناس على تفاوت في المقدار المطلوب من ذلك الصلاح.

ولنلتفت لفتة تاريخية صادقة إلى حالة مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم وحالة مجتمعها، ونقارن بين تلك الحالة وبين الصفة التي عينت للمدينة الفاضلة؛ حتى نرى تحقق معنى المدينة الفاضلة في مدينة الرسول _ عليه السلام _.

فأما ولاة الأمور فيها فإن سيد ولاة الأمور بالمدينة هو الرسول المؤيد بالعصمة، المسيَّر بالوحي والتوفيق الإلهيين، وهما ملاك الفضائل كلها، وحسبك برأس المدينة أن يكون بهذه المثابة؛ فإن الحكماء اشترطوا للمدينة الفاضلة أن يحكمها الحكماء المتصفون بصفات الكمال، وقد جمعها أفلاطون في عشر صفات، وهي: المعرفة، والإعراض عن التعلق بالدنيا، والصدق، ومحبة اللذات الروحية، والزهد، والعفة، والإقبال على الآخرة، والشجاعة، والإنصاف، وصحة العقل.

وقد كانت هذه الصفات كمالات رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت العصمة فوقها كلها.

وأما أعضاء رأس المدينة وأصحابه فشرطهم المعرفة، أي أن يكونوا من العارفين، والعارف فسره الشيخ ابن سينا بأنه هو الذي يريد الحق الأول _سبحانه_ لذاته لا لشيء آخر، ولا يُؤْثِر شيئاً عليه، والعارف شجاع جواد، صفّاح عن الذنوب، نسّاء للأحقاد.

وإن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبطانته هم أولئك المهاجرون الذين نبذوا الشرك وآثاره كلَّها عن محض اختيار، ومحبة للخير، وتخلَّقوا من أجل ذلك بأخلاق الإسلام، وخاصة الأنصار وأعيانهم الذين رغبوا في الإسلام لما دعاهم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يومي العقبتين؛ فلم يترددوا في قبوله، على ما هم عليه يومئذ من كثرة ومنعة؛ فكانوا لاحقين بالمهاجرين في إقبالهم على الحق ونبذ الضلال، وكان سادتهم وأهل الرأي منهم ملازمين لرسول الله؛ للاقتباس منه وتنفيذ أوامره.

ثم إن الرسول آخى بين المهاجرين وبين زهاء خمسين من الأنصار بقدر المهاجرين؛ ليحصل من تلك المؤاخاة تماثل في الأخلاق والفضائل، وقد حكى القرآن حالهم الجامعة للفضائل، ونبذ الرذائل بقوله [مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً] الفتح: 29.

وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (خير القرون قرني) وهم أصحابه الذين رأوه وآمنوا به، لأن شرف ذلك القرن إنما كان به وبهم؛ إذ كان آخرهم وفاة أنس بن مالك وسهل بن سعد الساعدي، توفيا في أوائل العشرة الأخيرة من القرن الأول من الهجرة.

وأما عامة أهل المدينة فهم المؤمنون السابقون بعد المهاجرين، كما وصفهم الله _ تعالى _ [وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ] التوبة: 100.

وهم أصحاب رسول الله الذين سكن بين ظهرانيهم، وتملَّوا من طلعته المباركة كل يوم، وشهدوا هديه، وأشرقت عليهم أنواره، ففيهم أشرقت الشريعة؛ فصلح اعتقادهم، وصلح عملهم، وصلح خُلُقُهم، ولم يزل رسول الله يبين لهم المكارم، ويحذرهم المآثم، حتى أصبحوا خيرة أهل الأرض.

في الصحيح عن عبادة بن الصامت أنه قال: (بايعنا رسول الله على السمع والطاعة في المنشط والمكره، وأن لا ننازع الأمر أهله، وأن نقوم بالحق حيثما كنا، لا نخاف في الله لومة لائم).

فاستملوا صحة الإيمان، وفضل العمل، وحسن الخلق، ومحبة العدل.

يحق لأهل المدينة أن يكونوا أهل بأس شديد على أعدائهم، وأن يكونوا فضلاء؛ أما شدتهم على أعدائهم فلأنهم جند المدينة يدفعون عنها، وذلك وصفٌ تُحْفَظ به المدينة من تَطَرُّقِ أهل الفساد إليها، فإذا تطرقوها أفسدوا بهجتها، كما قال _ تعالى _ [قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها]. تريد ما هو معهود من ملوك الجور.  

 

وهذه الشدة أساسها الشجاعة، وقد عرف أهل المدينة بالشجاعة والبأس، كما خلدت لهم حرب بعاث أجمل الذكر في الشجاعة.

ومن فضائل شجاعة أهل المدينة في الجاهلية أنها شجاعة فاضلة؛ لأنهم ما كانوا يغيرون على القبائل الآمنة، ولكنهم كانوا يذبون عن مدينتهم من كل طارق بسوء؛ فكانت مدينتهم من أحصن مدن العرب في الجاهلية، واشتهرت بسورها، وبحصونها المنيعة المسماة بالآطام؛ يتحصنون بها إذا دهمهم العدو، وكانت تحف بها بساتين النخيل التي تمونهم إذا حاصرهم العدو، على أن تلك الحوائط كانت فيها آطام([7]) لهم للدفاع عن ثمارهم.

فأما المهاجرون فمن أهل مكة، وأهل مكة وإن لم تكن لهم سابقة في الحرب؛ إذ كان العرب مسالمين لهم، إلا أن الفئة الذين آمنوا منهم قد أكسبهم الإيمان واليقين بالله؛ والغيرة على الحق، والحنق على المشركين _ إقداماً على الانتصار للدين، ظهرت بوادره في صبرهم واستخفافهم بعداوة أعدائهم.

وقد أيَّد الله المسلمين في مدينتهم بعصمة الهيئة من أن يتطرَّقها ما يفسد أهلها. ففي الحديث أن (على أنقاب المدينة ملائكة لا يدخلها الطاعون، ولا الدجال) وفي الحديث (المدينة كالكير تنفي خبثها، وينصع طيبها).

وأما كونهم فضلاء فلكي لا يختل فضل المجموع باختلال فضيلة أجزائه، وقد أشرنا على فضل المجموع الذي تتركب منه مدينة الرسول آنفاً.

ونريد أن ننبه هنا على أن أهل المدينة الفاضلة لا يكونون في الفضل سواسية، ولكن يشترط أن يكون الفضل متأصلاً في نفوسهم، وجماع ذلك هو الطاعة لولي أمرهم، وقد كان المسلمون في الطاعة للرسول أفضل مثل لأمة في طاعة قائدها؛ فكانوا إذا أمرهم رسول الله أمراً في الشؤون العامة؛ والقضايا الخاصة، امتثلوا، سواء وافق مرغوبهم أم لا.

قال الله _ تعالى _ [وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ] الأحزاب: 36.

وقال سهل بن حنيف: لقد رأيتُنا يوم أبي جندل _ يوم صلح القضية _ ولو نستطيع أن نرد على رسول الله أمره لفعلنا، والله ورسوله أعلم.

وقال _ تعالى _: [فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً] النساء: 65.

أراد بالحرج المنفي حرجَ توهمِ أن يكون قضاءُ الرسول غيرَ عادل.

لقد يندر أن يكون في المدينة الفاضلة سفلة وأراذل؛ لأن المجتمع البشري لا يخلص جميعه من ذوي العاهات النفسية، إلا أن وجودهم لا يضر المجتمع؛ لأنهم مغمورون بالصالحين؛ ففسادهم يقتصر على أنفسهم، ثم يرجى لهم الصلاح بتأثير الوسط عليهم؛ فقد كان في المدينة المنافقون، وعن ابن عباس كانوا ثلاثمائة من الرجال، ومائة وسبعين من النساء؛ فانقرض معظمهم؛ إذ كانوا كلهم شيوخاً إلا قيس بن عمرو بن سهل المختلف في بقائه، ومنهم من تاب وحسن إسلامه مثل ثعلبة بن حاطب، ومتعب بن قشير، ومنهم من بقي على نفاقه وقد عد بعضهم من بقي على النفاق اثنين وأربعين.

وقد حدثت في المدينة في حياة الرسول أحداث قليلة، منها ثلاثة حوادث في السرقة، وحادثان أو ثلاثة في الزنا، وحوادث قليلة في شرب الخمر، وثلاثة حوادث في القتل، على أن بعض هذه الحوادث منسوب إلى اليهود، ونوازل قليلة في الخديعة والغصب والجراح مما لا يخلو من مثله مجتمع بشري.

وكل ذلك إذا عرض في المدينة الفاضلة لا يكدر صفاء المدينة، لأن الصلاح الغالب يغطي على تلك العوارض النادرة؛ فَوِزَانُ ذلك وِزَانُ ما يعرض للجسم السليم من صداع أو انحراف مزاج، ثم لا يلبث الجسم أن يدفع ذلك عنه، ويسرع العود إلى معتاده من السلامة.

ولا تخلو المدينة الفاضلة _ أيضاً _ من العوارض الخفية اللازمة للاجتماع والمعاشرة، مثل ما ينشأ بين بعض الأزواج من عدم الملاءمة في المعاشرة، وما يعرض بين الشركاء والجيران من النزاع، وما يعرض بين الناس من الحوادث كالجراح الخفيفة والدعاوي.

كل ذلك لا يقدح في فضل المدينة إذا كان العدل قائماً، والقضاء نافذاً، وكانت نفوس أهلها مطيعة لما تقضى به العدالة، وقد قال الله _ تعالى _: [مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ] التوبة: 120.

تحتاج المدينة الفاضلة إلى الاستكثار من الأفاضل فيها، حتى تعتضد عزتهم النفسانية بالعزة الجثمانية، وإن كانت العزة الجثمانية في الدرجة الثانية كما قال السموأل:

وما ضرّنا أنا قليل وجارنا ** عزيز وجار الأكثرين ذليل

يريد ما ضرنا القلة إذا كنا أعزاء؛ لأن عزةَ الجار هنا كناية عن عزة من أجاره، ومن أجل هذا قصد الإسلام إزواء المؤمنين كلهم إلى المدينة، فكانت الهجرة إليها واجبة على المسلمين الذين يسلمون بمكة.

قال الله _ تعالى _: [وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجَرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا] الأنفال: 72.

وقال: [إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً (97) إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (98)]النساء.

إلا من أذن له النبي صلى الله عليه وسلم  في الالتحاق بأفقه، مثل الأعرابي الذي قال له: ويلك إن الهجرة شأنها شديد، ثم قال له: اعمل من وراء البحار.

وقد كان الأعراب النازلون حول المدينة من مزينة وجهينة وأشجع وغفار معدودين كالنازلين بالمدينة، ولما فتحت مكة نسخ حكم الهجرة.

تحتاج المدينة الفاضلة إلى سلامة سكانها من الآفات الجسدية؛ ليتم لهم التمتع بالصحة، فيكونوا أهل مقدرة على الأعمال العظيمة، ويطولَ الانتفاع بفضلهم.

وقد متع الله المدينة بهذه النعمة بدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد كانت المدينة مشهورة بالحمى المستوبئة قد اعتادها سكانها، ولا يطيقها من وفد عليها؛ فلما قدم المهاجرون أصابت الحمى كثيراً منهم، منهم أبو بكر الصديق وبلال وعائشة، فدعا النبي ربه أن تنقل حماها إلى الجحفة، واستجيب له، فما بقيت الحمى المستوبئة تصيب سكان المدينة وقد دعا لها رسول الله بأن لا يدخلها الطاعون؛ فلم يدخل المدينة قط، ولا تدخلها أبداً إن شاء الله.

وإن جدوى المدينة الفاضلة على المجتمع الإسلامي أنها إذا قامت على الفضيلة والعدالة كانت قدوة المجتمع كله؛ إذ هي قلبه، وبصلاح القلب صلاح الجسد كله؛ فتكون هي المرجعَ عند اضطراب الناس، وهي الآخذةُ على يد كل من يحاول فساداً في المجتمع.

ولقد يسر الله لمدينة الرسول هذه الخصلة الكاملة؛ فصارت قدوة الإسلام مدة قيام الخلافة فيها، ثم أخذ أمرها في اضطراب بعد الفتنة التي أثارها الثائرون على عثمان رضي الله عنه فكانت تلك الفتنة أول بوارق اضطراب الحكومة الإسلامية؛ فبئست فئة الفئة التي أثارت تلك المصيبة.

ومن أجل هذا قُصِدَتْ أن تبقى مدينة الرسول مدينة فاضلة، فَخُصَّت بمزايا أشرنا إلى بعضها آنفاً، ثم حيطت بأن جعلها رسول الله " حرماً، وبدعائه لها بقوله : (من أحدث فيها أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً).

ولذلك أمر رسول الله بتعمير المدينة، وكره أن تعرى المدينة، وقال لبني سلمة لما أرادوا أن ينتقلوا بالسكنى إلى قرب المسجد النبوي: (يا بني سَلِمة ألا تحتسبون خطاكم؟).

وفي الموطأ عن سفيان بن أبي زهير قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (تفتح اليمن فيأتي قوم يبِسّون([8])، فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، وتفتح العراق فيأتي قوم يبِسّون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، وتفتح الشام فيأتي قوم يبِسّون فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون).


([1]) نشر بحثه هذا في: مجلة الهداية الإسلامية، الجزء العاشر/ المجلد التاسع/ ربيع الآخر 1356هـ _ يونيو 1937م، ص578_594.

([2]) هو العلامة الشيخ محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن عاشور، ولد في ضاحية المرسى في تونس سنة 1296هـ بقصر جده للأم الصدر الوزير محمد العزيز بو عتور.

وقد شب في أحضان أسرة علمية، ونشأ بين أحضان والد يأمل أن يكون على مثال جده في العلم والنبوغ والعبقرية، وفي رعاية جده لأمه الوزير الذي يحرص على أن يكون خليفة في العلم والسلطان والجاه.

تلقى العلم كأبناء جيله، حيث حفظ القرآن، واتجه إلى حفظ المتون السائدة في وقته، ولما بلغ الرابعة عشرة التحق بجامع الزيتونة سنة 1310، وشرع ينهل من معينه في تعطش وحب للمعرفة، ثم برز ونبغ في شتى العلوم سواء في علوم الشريعة، أو اللغة، أو الآداب أو غيرها؛ فكان آية في ذلك كله.

له مؤلفات عديدة في شتى الفنون، منها تفسيره المسمى بالتحرير والتنوير، ومقاصد الشريعة، وأصول النظام الاجتماعي في الإسلام، وكشف المغطى من المعاني والألفاظ الواقعة في الموطأ، وردٌّ على كتاب الإسلام وأصول الحكم لعلي عبد الرازق، وأصول التقدم في الإسلام، وأصول الإنشاء والخطابة، وغيرها كثير.

وكان ذا عقل جبار وذا تدفُّق وتدفُّع في العلم؛ فكأنه إذا كتب في أي فنٍّ أو موضوع_ يغرف من بحر، وينحت من صخر؛ فإذا رأيت عنوان الموضوع قلت ماذا سيقول؟ فإذا قرأت ما تحته رأيت العجب العجاب، لهذا فإنك تحتاج وأنت تقرأ له أن تُحضر ذهنك، ولا تتشاغل عنه.

توفي رحمه الله يوم الأحد 13 رجب 1393هـ.

وإذا أردت التوسع في ترجمته فارجع إلى كتاب شيخ الجامع الأعظم محمد الطاهر بن عاشور حياته وآثاره، تأليف د. بلقاسم الغالي.

([3]) لعل مراده أنه خالص لا يداخله ريبة، أو شيء من المآرب الخاصة الدنيوية (م).

([4]) ورقة 8 من شرح حكمة الإشراق لقطب الدين الشيرازي في شرح الديباجة (مخطوطة).

([5]) هو واضع علم الطب عند اليونانيين، فتلقبه بأبي الأطباء إما لأن مؤسس الشيء يدعى أباً له، وإما لأن معظم الأطباء في العصور الأولى كان من ذريته، وكلا الوجهين أمر واقع.

([6]) سولون هو حكيم يوناني من أهل أثينا، ولد في حدود سنة 640 قبل المسيح؛ كان من أساطين الحكمة في السياسة والتشريع، وتوفي وعمره ثمانون سنة بجزيرة قبرص.

([7]) الآطام: بالمد جمع أطم بضم الهمزة وضم الطاء المهملة: الحصن بلسان أهل المدينة.

([8]) يبسون بكسر الباء الموحدة وتشديد السين المهملة مضارع بسّ بمعنى سار.



المنشورات ذات الصلة